في غياب الإحصائيات الرسمية والتشريعات والضوابط والدعم «السياحة البيئية»واعدة هذه السنة مع زيادة عدد زوار المحميات

يؤكد بعض البيئيين ان أكثر المستفيدين من حالة الاستقرار الامني هذا العام هو «السياحة البيئية» التي تشهد مجدها هذا العام لناحية الاهتمام بها وزيارتها.
اللافت حتى اللحظة، هو غياب الاحصائيات والارقام المؤشرة الى حجم الاهتمام الشعبي بهذا النوع من السياحة. «لا وزارة السياحة تملك أرقاما كهذه ولا غيرها، وكل ما في الامر مجرد تقديرات عشوائية او ارقام تصل من الامن العام عن عدد الزوار الوافدين الى لبنان» ليس الا. واما المضحك المبكي فهو اقرار شاهد من اهلها بـ «عدم اعطاء وزارة السياحة – لغاية اليوم - الاهتمام اللازم للسياحة الخضراء إن لجهة التشريعات او لجهة التعاون الرسمي مع غيرها من الوزارات»، والاهتمام، كل الاهتمام، يبقى مجرد تحضيرات وحسب!!
شهران او ثلاثة من المفترض انها واعدة، فماذا في العملي وفي المتوقع من سياحة متطلعة ابدا لـ «وصاية» رسمية مكثفة - غائبة حتى تاريخه - ولعناية وسهر القطاعين المدني والخاص؟
السفير» حاولت الحصول على أجوبة متعلقة بإيرادات السياحة البيئية، فكان تأكيد من إدارات المحميات على «ضرورة انتظار نهاية الموسم، إذا ان هذا العام لا يمكن مقارنته بأي من الاعوام السابقة نظراً لعنصر الامن الذي وسم ما سبق من ايام».
وتعول محمية ارز الشوف مثلا على هذا العام نظرا للحركة المشجعة، كذلك هي الحال في غير محمية من محميات لبنان السبع.
السياحة الخضراء
منذ العام 2002، تم تبني تحديد مفهوم «السياحة البيئية»؛ في القمة الدولية التي عقدت في كيبك الكندية للبحث في الموضوع بدعوة من الامم المتحدة، وذلك تزامنا مع قمة اخرى عقدت في البلد عينه في مناسبة السنة الدولية للجبال. يومها وضح الغامض من المفهوم وباتت «السياحة الخضراء» محددة بـ «الزيارة المسؤولة لأماكن طبيعية، تهدف الى حماية وتحسين البيئة فيها وتساهم في منفعة المجتمع المحلي».
كثيرة هي «الاماكن الطبيعية» في لبنان، نذكر منها: محمية ارز الشوف، محمية جزر النخـيل، محمية حرج اهدن، محمية أرز تنورين، محمية اليمونة، محمية بنتاعل، محمية شاطئ صور. يضاف الى ذلك: ٢٨ غابة محمية، ١٧ موقعاً طبيعياً، يتمتع معظمها بتصنيفات عالمية بما فيها «مواقع رامسار» للاراضي الرطبة ذات الاهمية الدولية بوصفها مآلف للطيور المائية (مثل: رأس الشقعة)، ومناطق متمتعة بـ«حماية خاصة» كمحمية جزر النخيل الطبيعية، ومواقع مهمة للطيور مثل مستنقع عميق، الى إدراج بعض منها على لائحة التراث العالمي كوادي قاديشا. وتلعب المناطق المحمية لا سيما المحميات الطبيعية دوراً مهماً في حماية واستدامة الموارد الطبيعية وخصوصاً التنوع البيولوجي، كما تعتبر من الركائز الاساسية في سياسة التنمية الريفية اللبنانية.
وزارة السياحة: لا أرقام. لا تشريعات
...مؤشرات قياس مدى الاهتمام الشعبي بالسياحة البيئية تبقى غائبة. «لا ارقام او احصائيات حتى تاريخه»، يقول مصدر مسؤول في وزارة السياحة لـ «السفير». «الاهمية – وفق المصدر- لما يجري على الارض، والاساس يبقى التخطيط استراتيجياً للمنتج السياحي ليحافظ على الاستدامة، ومكافحة النزوح الداخلي من الجبال الى المدن. واما مؤشر النجاح فيقوم على مدى تدريب وتنمية المجتمع الأهلي».
«لحد الآن – يقول المصدر - لم تعط الوزارة طابعاً رسمياً للسياحة البيئية، فكلها جهود تحضيرية ورعاية لا اكثر، والمطلوب مقاربة الموضوع بشكل استراتيجي. فلا يجوز بأي شكل ترك السياحة الخضراء هكذا بلا ضوابط، فعدم الترشيد يضر بالبيئة».
المصدر يتحدث عن «اهمية تكاتف الجهود بين وزارات معنية بالسياحة البيئية، ولا سيما وزارات الاعلام، التربية، الاشغال، السياحة والبيئة، وهو ما يفترض وجود تشريعات وأدوات ردع وان يتم العمل على مديرية خاصة بالسياحة البيئية في الوزارة».
لبنان تقدم سريعاً في موضوع السياحة الخضراء، والسبب ـ بحسب المصدر المسؤول ـ هو النبض القوي للمجتمع المدني، الذي يلعب دورا محوريا في هذا المجال.
التحدي كبير وليس سهلا، و«تحاول وزارة السياحة جاهدة تطبيق خطة تنمية كل ما يرتبط بالمجتمع المحلي سياحياً».
...في لبنان، وعلى الرغم من التقدم والمنحى التصاعدي، مشاكل كبيرة تقف بوجه السياحة البيئية. فالبعض يسجل قلة وعي لدى السلطات المحلية لاهمية النشاط الاخضر هذا، كما يتزايد الحديث عن عشوائية في التنظيم المدني، وعشوائية في طريقة عمل الكسارات التي تأكل الاخضر واليابس، اضافة الى الصرف الصحي. الى ذلك، هناك مسألة تدهور البيئة، وعدم وجود مخططات توجيهية شاملة. هذا وتوجد مشكلة كبيرة في مسألة عدم وجود مردود مادي سريع للسياحة البيئية.
وزارة البيئة: توقعات إيجابية
ليس لدى وزارة البيئة أي دراسات جديدة حول وضع السياحة البيئية، وقد ارسل لنا بعض المسؤولين فيها معلومات عامة منشورة سابقا، وهي لا تزال على الصفحة الالكترونية للوزارة من دون تحديث.
الا ان مصدرا في وزارة البيئة يقول لـ «السفير» إن الامل كبير هذا العام في استقطاب السياح وجذبهم الى طبيعة لبنان، فكل شيء مشجع إن كان لجهة الجو السياسي او الامني. فكما نعلم ووفق احصائيات تقديرية سجل العام 2007 ادنى مستوى في حركة زوار المحيمات، حيث بلغ 14،500 زائر، لاسباب سياسية -امنية، كما قيل. اما هذا العام هذا فالتوقعات ايجابية... وإن شاء الله خيرا».
تتبع وزارة البيئة منهج الوقاية للمحافظة على الموارد الطبيعية، وتعمل على تطوير المحميات الطبيعية وتأهيلها من خلال مساهماتها المالية المخصصة سنوياً لهذه المحميات، حيث يتم تجهيزها بالبنى التحتية اللازمة لتحقيق سياحة بيئية سليمة فيها (تأهيل ممرات إرشادية، لوحات تثقيفية، مراكز للزوار، تعيين مرشدين، متابعة التنوع البيولوجي، إعداد خطط ادارية).
وبحسب ما جاء في بيان اصدرته مؤخراً، حققت وزارة البيئة انجازات عديدة بالتعاون مع لجان المحميات الطبيعية وفرق عملها، والجمعيات الاهلية والفعاليات والخبراء العاملين في هذا القطاع. تتواصل وزارة البيئة بصورة دائمة مع المنظمات المحلية والدولية المعنية بموضوع المحميات.
درب الجبل: 52 الف سائر
قبل ثلاثة اسابيع تسلم جون كيروز مهام المدير التنفيذي لـ «جمعية درب الجبل». المهام وتحقيق الاهداف ليست بالمسألة السهلة، يقول لـ «السفير». التوقعات واعدة. 14 الفا من السياح البيئيين يفترض ان يسيروا هذا العام على الدرب المحددة بـ 440 كلم تقريبا والممتدة من القبيات شمالا حتى مرجعيون جنوباً، مرورا بـ 75 بلدة وقرية.
«الجهود متواصة ومكثفة لتنظيف الدرب وازالة الاعشاب البرية ليصبح في الامكان السير بمأمن واكتشاف جمالية الطبيعة في لبنان. «كل شيء يتم وفق معايير عاليمة - يقول - فلا ندنو من الاعشاب المفيدة للبيئة، ولا من الاشجار، كل ما نقوم به هو ازالة بعض العشب كالوزال وغيره».
كيروز يبدو متحمساً لتحقيق اهداف الجمعية. لغته العربية المرفقة مع لكنة انكليزية يبررها تواجده لزمن في الخارج، فـ «اصبحت على دراية بأدق التفاصيل. مثلاً نحن نقوم الآن بوضع اشارت على امتداد الدرب لارشاد السياح البيئيين وللغاية لا نستخدم اي نوع من الطلاء (البويا) مضر بالبيئة، بل على العكس لدينا حرص لاخذ المسألة في الحسبان».
...»لغاية اليوم سار على الـ «درب» ما يفوق اربعين الف سائح بيئي، والمنتظر اي يصل العدد الى 52 الفا مع نهاية هذا الموسم»، يقول كيروز، وبرأيه «الاوضاع الامنية والسياسية المشجعة هذا العام مقارنة بالاعوام الثلاثة الماضية ستفسح في المجال امام الزوار والراغبين باكتشاف الطبيعة».
«السائرون حتى الآن على الدرب نصفهم حتى تاريخه من اللبنانيين والنصف الآخر من الاجانب: فرنسيون، اميركيون، ايطاليون (...)»، يقول المدير التنفيذي لـ «درب الجبل». وعندما سألناه عن دور وزارة السياحة والتواصل معها اجاب قائلا إن «الوزارة تدعمنا بحوالى 20% من احتياجاتنا، ولكن ابرز المعوقات تبقى البيروقراطية، التي تفرض علينا وعلى العاملين في الوزارة اتباع اجراءات قد تعقّد الاعمال احيانا، وتودي الى حلقة مفرغة. الجيد ان وزارة السياحة تتركنا هذا العام لنعمل ما نريد وطبعا وفق القواعد المتبعة والصديقة للبيئة».
جمعية درب الجبل تسعى حاليا لاستصدار مرسوم يدافع ويحمي الدرب، تماما كما هي الحال بالنسبة للدرب النيوزيلاندي، حيث تحمي الدولة دروبا كهذه. ويتحدث كيروز عن بيوت الضيافة المنتشرة على امتداد الدرب، معززة ومحسنة الفرص الاقتصادية ومستوى المعيشة في القرى التي يمر عبرها.
أرز الشوف: 30 الف زائر
محمية ارز الشوف تعتبر الاكبر في لبنان. هي والقرى المحيطة بها تشكل حوالى ٥ ٪ من مساحة بلد الـ 10452 كلم2 وتتميز بكونها تحتوي على ٢٥٪ من غابات الأرز المتبقية في لبنان وممر مهم للطيور المهاجرة وأول محمية مدى حيوي مصنفة من قبل اليونسكو في لبنان.
«من اول الـ 2009 حتى شهر حزيران منها قصد المحمية 13 الف زائر، ويأمل القيمون عليها في ان يصل العدد الى 30 الفاً». ولمواكبة «الطفرة السياحية» تشهد «ارز الشوف» تطورا على صعيد السياحة البيئة والتنمية، يقول نزار هاني، وهو المنسق العلمي للمحمية. الاخير يتحدث عن امكانية تمضية فترة طويلة في منطقة الشوف تمتد من يوم إلى خمسة أيام، يتمكن الزائر خلالها من المشي الطويل على الدروب الجبلية وزيارة المواقع الأثرية الموجودة في منطقة الشوف والاقامة في بيوت الضيافة الموجودة في قرى الباروك، المعاصر، الخريبة، بعذران ونيحا.
«...ويمكن للزوار ـ بحسب هاني ـ التمتع بمنتجات التنمية الريفية المتنوعة المعدة في مشاغل متخصصة كما تعمل المحمية للحصول على شهادة جودة لهذه المنتجات والمشاغل « Bio-Certification " ليصبح جزء من هذه المنتجات عضوية. هذا بالاضافة إلى نشاطات متنوعة للمحمية هذا العام منها الترويج والتسويق عبر الأنترنت وتوزيع المنشورات في المعارض إلى جانب المساهمة في 4 مهرجانات محلية تقام في معاصر الشوف، الخريبة، مرستي وبعذران.
هاني يعود الى العام 2009 الواعد. فيقول إن العام 2004 سجل أعلى عدد لزوار محمية ارز الشوف حيث بلغ 28 ألف زائر إلا أن الأحداث التي مر بها لبنان في السنوات الثلاث التي تلت أدت إلى انخفاض عدد الزوار بشكل ملحوظ، فانخفض عدد الزوار إلى 21 ألفاً في الـ 2005 وفي الـ 2006 بلغ 17 ألفا وفي العام 2007 بلغ 14 ألفاً وصولا حتى الـ 2008 حيث عاد وارتفع إلى 22 ألف زائر. ونظراً للاستقرار الذي يمر به لبنان خلال العام 2009 فمن المتوقع أن يرتفع عدد زوار المحمية إلى 30 ألفاً.
بدأ برنامج السياحة البيئية في المحمية منذ العام ١٩٩٨ حتى أصبحت المحمية والمنطقة المحيطة بها في السنتين الأخيرتين مقصداً للزوار إذ أنها تحتوي على ١٠٠ كلم من الدروب، خمسة بيوت للضيافة، بيت شباب، موقع تخييم، استراحة (picnic area) وغيرها.
معايير... وموجبات
يتوقف ارتياد المحميات الطبيعية من قبل الزوار على المعايير الآتية:
ـ تمتع المحميات الطبيعية بقدرة تحميلية carrying capacity
ـ تجهيز المحميات الطبيعية بالبنى التحتية اللازمة والضرورية لتسهيل زيارتها من ممرات تثقيفية ومراكز استقبال للزوار وابراج مراقبة الطيور... إلخ
ـ قرب المحميات الطبيعية او بعدها عن المرافق السياحية الاخرى في المنطقة المحيطة بها.
ـ مدى سهولة الوصول اليها، وذلك يتوقف على توفر شبكة طرقات سالكة وسليمة.