عمان ـ خليل رضوان
شرع اركان الدولة الاردنية في التحضير لاستراتيجية مرنة للتعامل مع خطة الرئيس الأميركي بارك اوباما لحل الدولتين، التي سترتب على الاردن دورا محددا في ما يخص قضية اللاجئين الفلسطينيين، لئلا تؤخذ الدولة إلى خطط جاهزة ومفروضة بشكل مسبق.
وعزز التزام اتفاقية "جنيف2" الصمت حيال أحد أهم مكونات الحل الدائم، المتمثل بحقوق اللاجئين في العودة، اقتناعات داخل دائرة صنّاع القرار في الاردن بأن على عمان التحرك لا انتظار واقع يفرض عليها.
وتعد اتفاقية "جنيف2" ملحقا امنيا لمبادرة "جنيف 1" وتطرح بصورة مفصلة الجوانب الأمنية للتسوية الدائمة. وتحظى هذه الاتفاقية بأهمية حقيقية، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية، باعتبار ان رئيس طاقم البيت الأبيض رام عمانويل صرّح بأن مبادرة جنيف هي أساس التسوية الدائمة.
وستطّلع وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون على هذه الاتفاقية ـ الوثيقة بصورة رسمية هذا الأسبوع وكذلك هو حال رئيس مجلس الأمن القومي الجنرال جيمس جونز. ولكن بصورة غير رسمية، تمت دراسة هذه الوثيقة ببنودها بصورة دقيقة في البنتاغون طوال أسابيع عدة، كذلك في البيت الأبيض ووزارات الخارجية في فرنسا ومصر وبريطانيا والأردن.
وشكلت الحكومة الاردنية ما يشبه خلية عمل تضم اركان الدولة، عقدت اجتماعها الأول في دار رئاسة الحكومة قبل10 أيام برئاسة رئيس الوزراء نادر الذهبي، حضره رئيس الديوان الملكي ناصر اللوزي ووزيرا الداخلية والخارجية ومدراء الأجهزة الأمنية، وستتواصل اللقاءات على نحو منهجي لوضع تصورات ترفع لاحقا إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
التصورات الأولية ترتكز إلى ما يسميه أحد المشاركين في الاجتماع "حدود" التوطين المقبولة والمرفوضة أردنياً، من خلال رسم خارطة لأوضاع اللاجئين في المملكة وصولا الى توصيف سياسي واجتماعي لوضعهم".
ويحاول المجتمعون وضع تقديرات لأعداد اللاجئين الذين يفضلون العيش في الدولة الاردنية وذلك لخدمة الاغراض التخطيطية المستقبلية، كذلك رسم خارطة لأوضاع اللاجئين في الأردن وصولا إلى توصيف سياسي واجتماعي لهم.
ويقدر عدد اللاجئين في الاردن بحسب أرقام "اونروا" زهاء مليون و700 الف يعيشون في 13 مخيما رسميا ومخيمين عشوائيين.
كما يدرسون سيناريوات توسيع قاعدة المشاركة السياسية للأردنيين من أصول فلسطينية في الوظائف، خصوصا المؤسسات الأمنية والعسكرية والدرجات العليا بطريقة تدريجية تحقّق عدالة اكبر.
ويسير العمل بجدية على دراسة إمكان تغيير قانون الانتخابات كأساس للانتخابات المقبلة، إضافة الى قوننة تعليمات فك الارتباط بين الضفتين الشرقية والغربية في العام 1988.
وفي سياق الإجراءات الاستباقية أيضا، جرى الاتفاق مع الإدارة الأميركية على ابلاغ الاردن بالخطوط العامة لخطة السلام قبل الإعلان عنها رسميا.
ويؤكد مسؤول أردني رفيع المستوى لـ"المستقبل" أن موقف الاردن واضح وهو "أننا لن نفاوض نيابة عن الفلسطينيين لكن من حقنا الإطلاع على أي تفاهم بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي واتخاذ الموقف الذي يتناسب ومصالحنا الوطنية".
وفي ما يخص ملف اللاجئين تحديدا، يقول المسؤول ان حق العودة لستة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات ربما لن يتحقق واقعيا، وان على الأردن أن يتعامل في المستقبل مع سيناريوهات قد تفرضها معطيات إقليمية إذا لم يتمكن جزء من اللاجئين من ممارسة حق العودة، وبالتالي ينبغي التحضير والاستعداد لمثل هذه الظروف.
وتبين المحللة السياسية رنا الصباغ ان النقاش في أروقة الدولة الاردنية ينطلق من اقتناع مفاده ان حق العودة للاجئين بالمعنى القانوني والإجرائي غير وارد في الأفكار الأميركية للسلام في الشرق الأوسط، وكون الاردن اكبر دولة مستضيفة للاجئين فإن عليها منذ الآن ان تحدد ما الذي يمكن ان تقبله وترفضه، بمعنى آخر ما هي حدود "التوطين"المقبولة أردنيا.
وتشير دراسات واستطلاعات منشورة وغير منشورة، إلى أن نصف الأردنيين الفلسطينيين سيختارون البقاء في الاردن والتنازل عن حق العودة، مقابل تعويضات مجزية وأمان اقتصادي-سياسي-اجتماعي لهم ولأحفادهم مع استحالة فرز الناس بسبب صلات النسب والرحم.
والنصف الآخر من اللاجئين، قاطنو المخيمات خصوصا، سيعارضون فكرة التنازل عن ذلك الحق الشخصي، لأنهم بصراحة لا يوجد لديهم الكثير ليخسروه، وبالتالي سيفضلون ترحيل الحل النهائي للأجيال المقبلة.
وترى الصباغ ان تحديا كهذا يضاف إلى مأزق داخلي بعدما أجّل مرارا، فتح ملف تحديد العلاقة الاردنية - الفلسطينية في شقّها الداخلي، على أمل التعامل مع استحقاقاته تدريجيا بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي الضاغط.
وتقول الصباغ ان الحكومة ستجد نفسها في مسار تصادمي مع مكونين أساسيين في النسيج الأردني الحساس، الشرق أردنيين والأردنيون من أصول فلسطينية ممن يرفض التنازل عن حق العودة "ويبدو أنها تحاول استباق التحدي القادم والسيطرة على الموضوع بدلا من أن تفرض عليها حلولا ضمن التسوية الإقليمية, تحديدا فيما يتعلق بعودة اللاجئين."
أضافت: "تتجه الحكومة لطمأنة الشرق أردنيين على مستقبل بلادهم وهويتها، ذلك أنهم يتوجسون من احتمالات حل القضية على حساب المملكة، كما تحاول طمأنة ذوي الأصول الفلسطينية بأن مستقبلهم ليس في مهب الريح في حال قامت دولتهم يوما ما، فالخيار سيظل بيدهم.
ويؤكد المحلل السياسي فهد خيطان ان ثمة حقائق في هذا الإطار، في رأي المسؤولين الأردنيين، لا يمكن تجاهلها، وهي ان الحاجة ملحة للشروع في دمج فئات في الدولة الاردنية بشكل كامل ورفع التمييز الحاصل في الوظائف، خصوصا في المؤسسات الأمنية والعسكرية والدرجات العليا. وفي الوقت ذاته يبدي العديد من المسؤولين الحرص على الوصول إلى مقاربة جديدة، في ما يخص الحقوق السياسية للأردنيين من اصل فلسطيني لا تمس بأي شكل هوية الدولة ومؤسساتها.
ويرى خيطان أن أكثر ما يخشاه المسؤولون في الاردن اليوم الضغوط الخارجية وتبعاتها، ولهذا يسعون للتوصل إلى تفاهمات داخلية تجنبهم المواجهة، لكن الطريق إلى ذلك وعرة من دون شك. ففي مقابل القوى الخارجية هناك قوى داخلية مستنفرة ولديها حساسية عالية تجاه أي خطوة يمكن ان تخطوها الدولة في هذا الاتجاه.
ويضيف خيطان انه إذا كان في وارد الدولة ان تقاوم الحلول المفروضة من الخارج فعليها ان لا تكتفي بإجراءات إدارية لنزع ذريعة التمييز، وإنما استنهاض كل القوى السياسية والاجتماعية الرافضة لحل مشكلة إسرائيل على حساب الاردن وتوظيف هذه الورقة في المواجهة مع الخارج.
وارتفعت وتيرة القلق المعبرعنه في العديد من المقالات التي أفردتها صحف أردنية تتحدث عن القلق الناشئ عن تغييب حق العودة مما يعد توطئة لما يسمى الوطن البديل، إذ ان صمت "جنيف 2" عن حق العودة تعني، من الوجهة الاردنية، توطين اللاجئين في أماكن سكناهم وهذا القلق مبرر من الوجهة الشعبية إذا ما علمنا ان الاردن يعد الدولة الأولى من حيث أعداد اللاجئين ويكتسب الأمر تعقيدات كثيرة باعتبار هؤلاء يحملون الجنسية الاردنية.
ويتزامن ذلك مع سيل من التصريحات والإجراءات الإسرائيلية التي تدفع باتجاه "كرة اللاجئين الملتهبة" في الحضن الأردني، عبر اعتبار ان الدولة الفلسطينية متحققة بالفعل شرقي النهر وهو ما يعني شطب الطابع الأردني للدولة الاردنية.
ويتوقع الأردن تحديات صعبة ستتطلّب قرارات مؤلمة لتحويلها إلى فرص واعدة تؤمن مستقبله، لكنّ الجزء المهم في المعادلة غائب عن الرأي العام الأردني "المقسوم" تجاه قضية اللاجئين، وسيبقى كذلك لعدم وضوح الخطاب الرسمي في ما يخص هذه القضية.