الأحداث في إقليم شينجيانغ الصيني "ليست عرقية ولا دينية"، بل "أعمال عنف إجرامية خطيرة" تقف وراءها "قوى الإرهاب والانفصال والتطرف الديني"، يؤكد القائم بأعمال السفارة الصينية في بيروت تان بانغلين. ولتقريب وجهة نظره من القارئ اللبناني، يقول إنه في بلدنا تتعدد المذاهب، وإذا تناحرت هذه في ما بينها، لا يعني ذلك أن الأمر سياسة تنتهجها الدولة أو ترعاها.
وهو إذ يحاذر الإشارة إلى دور أميركي ما في الأحداث الجارية، يتطرق إلى "حلم تركيا الكبرى" الذي قد يكون يحرك أنقرة ويدفع رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان إلى الحديث عن إبادة جماعية للأويغور المسلمين، مع أنهم "ظالمون وليسوا مظلومين هذه المرة".
التقته "النهار" أمس في مقر السفارة بالرملة البيضاء على هامش مؤتمر صحافي دعا إليه لمواجهة "تحريف الحقائق" الذي تقوم به "القوى المعادية للصين في العالم".
وأفاد أن إقليم شينجيانغ موطن 47 قومية واتنية، وفيه 24 ألف مسجد. وقد حقق "إنجازات مرموقة في الأعوام الـ30 الأخيرة، إذ ارتفع الناتج المحلي الفردي من 313 يوان صيني عام 1978 إلى 19893 يوان عام 2008".
وإذ شدد على ان منفذي أعمال العنف التي بدأت على خلفية شجار في مصنع، "حفنة صغيرة من الانفصاليين والمجرمين لا يمثلون أي قومية"، رفض التدخلات الأجنبية في ما اعتبره شأناً داخلياً لبلاده. وقد امتنع عن اتهام "أي دولة معينة"، في إشارة إلى الولايات المتحدة، في معرض رده على سؤال عن وجود زعيمة "المؤتمر العالمي للأويغور" ربيعة قدير في واشنطن وتمتعها بدعم الكونغرس الأميركي، وإن يكن لم ينكر وجود "قوى ووسائل إعلام معادية للصين استغلت الأمر"، بما في ذلك صحيفة "النيويورك تايمس" التي نشرت صورة لجريح أوردت أنه من الأويغور بينما يؤكد اسمه أنه من اتنية الهان التي ينتمي إليها معظم الصينيين.
أما المسلمون الآخرون في شينجيانغ، وهم من اتنية الهوي، فـ"يعيشون بهدوء ولا يريدون الانفصال". وهو لا ينفي ان يكون الهان ذهبوا بأعداد كبيرة إلى الإقليم، ولكن من أجل "تحقيق التنمية وليس لتغيير الواقع الديموغرافي. دعيني أعطك مثلاً تقريبياً. تخيلي المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج قبل اكتشاف النفط ووصول الخبراء الغربيين. هذا ما قام به الهان، كانوا يتمتعون بالخبرة والتقنيات وشجعتهم الحكومة على نقلها إلى شينجيانغ".
الخارج و"حلم تركيا الكبرى"
وعلق تان بانغلين على تهديد تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" باستهداف مصالح صينية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بقوله إن "بعض مثيري الشغب في شينجيانغ من المتطرفين دينياً، لكن الأعمال التي قاموا بها إجرامية. ربما تأثر تنظيم "القاعدة" بالتغطية الإعلامية. إنه يتعاطف مع المسلمين في الصين. حسناً، هذا حقه. لكن معظم القتلى والجرحى لم يكونوا من الأويغور. هذه المرة لم يكن الأويغور مظلومين بل كانوا ظالمين".
واستوضحناه ربطه في بيانه الخطي بين منظمة قدير و"الحركة الإسلامية لشرق تركستان" الموضوعة على اللائحة الأميركية للإرهاب والتي اتهمت قبل أعوام بالتخطيط لهجمات في قيرغيزستان ، فقال: "المؤتمر العالمي للأويغور هيئة انفصالية، ولكن لا دليل لدينا على صلتها المباشرة بالحركة الإسلامية لشرق تركستان".
ولأن شينجيانغ غني بالنفط والغاز، كما ان في بعض الدول المحيطة به مثل قيرغيزستان وقازاقستان أويغورٌ، وعلى حدوده كذلك تقع أفغانستان وباكستان حيث استعادت حركة "طالبان" قوتها، كان لا بد من السؤال عن إمكان تسلل مقاتلين أجانب إلى الإقليم. أجاب: "لا نخشى ذلك. فالدول المجاورة تربطنا بها علاقات جيدة وتنسيق تام في مكافحة الإرهاب. غير أن تركيا تريد التدخل في الشؤون الداخلية للصين. ربما كان ما يسمى تركستان يدغدغ لدى الأتراك حلم تركيا الكبرى ويذكرهم بماضي السلطنة العثمانية". وإذا كان في تركيا الكثير من الأويغور الذين فروا إليها من شينجيانغ خلال الحرب الأهلية التي شهدها الإقليم القرن الماضي، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أن تكون أنقرة تفتش على الدوام عن "القوميات ذات الصلة الوثيقة بها لإحياء حلم تركيا الكبرى".
"ستذهب إلى السجن"
وتحدث القائم بالأعمال الصيني عن سيرة قدير التي تمكنت "بذكائها" من جمع ثروة، مستفيدة من كون "الدستور ينص على أن أبناء كل الأعراق متساوون". ورداً على استفسار عن خسارتها ثروتها بعد سجنها واعتقال اثنين من أبنائها، قال: "هذا لأنها تهربت من الضرائب وأفشت أسرار الدولة. دخلت السجن لأنها خالفت القانون، ولم يمارس أي تمييز ضدها".
وهل تستطيع العودة الآن إلى البلاد اذا أرادت؟ أجاب: "إذا رجعت، ستذهب إلى السجن، وليس للأمر علاقة بالأحداث الجارية. إنها لم تكمل عقوبتها وقد أطلقت لأسباب إنسانية وصحية. وتعهدت قبل مغادرتها البلاد عدم ممارسة أي نشاط انفصالي، غير أنها نكثت وعودها فور وصولها إلى الولايات المتحدة".
وعن وجود صفقة مع واشنطن لإطلاقها لتخفيف الانتقادات الدولية للسجل الصيني في مجال حقوق الإنسان، قال :"لا علاقة لتوقيف قدير بحقوق الإنسان لا من قريب ولا من بعيد. جريمتها التهرب الضريبي وإفشاء الأسرار الوطنية. ثم أين انتهاك حقوق الإنسان؟ كانت لها حقوق أفضل من أي شخص آخر، وتمتعت بنفوذ كبير".
ولكن ألا يمكن الاستنتاج أنه كانت هناك صفقة، لأن تهمة إفشاء أسرار الدولة خطيرة ولا يُطلق من يواجهها لأسباب إنسانية أو صحية قبل انقضاء عقوبته. أجاب بأن "سلوكها في السجن قام على الخداع، ادعت التوبة والندم. وينص القانون الصيني على مكافأة السجين ذي السلوك الحسن، وهذا ما حصل في حالها".
وفي إطار المقارنة بينها وبين الدالاي لاما، هي التي رشحت لجائزة نوبل للسلام وهو الذي حازها، اعتبر ان "للأمر خلفيات سياسية، والولايات المتحدة تستغل الجائزة، وهناك من ينالها من غير ان يستحقها. الجائزة يجب أن تذهب إلى شخص صادق بذل التضحيات في سبيل شعبه. ولكن بماذا ضحى الدالاي لاما؟ تخلى عن أبناء التيبيت... عليك أن تأخذي في الاعتبار ان الأمور الدينية والقومية وحقوق الانسان تحرك دائماً المشاعر وتثير التعاطف مع من يصورون أنفسهم على انهم ضعفاء".
واكد ان الحكومة الصينية "مسؤولة وصادقة" ولا تخفي حقائق ما تشهده أراضيها. غير ان بلاده "تعرضت خلال السنوات الأخيرة لمؤامرات القوى المعادية. العام الماضي حصلت الاضطرابات في التيبيت، الآن هناك شينجيانغ، ولا ندري ماذا سيحدث بعد سنة وأين". إذاً هل تُحارب الصين لأنها قوة اقتصادية ومالية صاعدة؟ أجاب: "واجهنا بعض الصعوبات والتحديات، وحصول مشاكل بين مجموعات مختلفة من الناس أمر طبيعي ولا سياسة تحركه. وفي كل مرة، تتحرك الحكومة بسرعة لإيجاد حل، وهذا أحد أسباب نجاحها في تحقيق الاستقرار والرخاء لمواطنيها... شعبنا مقتنع بواقعه وبأن له مستقبلاً زاهراً".
وسألناه عن الضغوط الصينية لاستعادة الأويغور الذين سيطلقون من قاعدة "غوانتانامو فأجاب: "ينص القانون الصيني على معاقبة كل مواطن مذنب في أراضي البلاد، وخصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بتهم تمس بالمصالح العليا. وهذا يقع في كل الأحوال في مصالحنا الحيوية في مكافحة الإرهاب".
تايوان
أما بالنسبة إلى تايوان، فان "العلاقة بين جانبي المضيق تتجه إلى التحسن والانفراج والحوار مستمر وقد زال التوتر. أقمنا رحلات جوية مباشرة وصارت هناك خدمات للبريد". لكن تايوان لن تكون أبداً مستقلة، إذ "متى صارت دولة؟". وحين تقول له إن العالم يعترف بها كذلك، يتساءل: "أي عالم؟ الأمم المتحدة، المنظمة الدولية الكبرى، لا تعترف إلا بصين واحدة تمثلها جمهورية الصين الشعبية. والأمر نفسه بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وألا كيف تقيم علاقات ديبلوماسية معنا؟ هناك 20 دولة فقط في العالم، وهي صغيرة الحجم، لا تقر بذلك".
سوسن أبوظهر