البقاع ـ «السفير»
مضت ثلاثة أعوام على الحرب، وما زالت مصانع منطقة البقاع التي دمرتها الصواريخ الإسرائيلية، أسيرة وعود رسمية بتعويضات مالية لم يفرج عنها. هي خمسة عشر مصنعا كبيرا تقريباً، بالإضافة إلى عدد من المصانع الصغرى والمعامل اليدوية لم يحصها بدقة أحد. ولا جهة. المهم، 15 مصنعا هي الأكبر في لبنان. كانت تؤمن العمل لأربعة آلاف شخص في منطقة من أكثر مناطق البلاد إهمالا وشحا. كانت رئة بدأت تسمح لأهالي المنطقة بالبقاء فيها، والعمل، بلا عوز، بلا حاجة لمدّ الأيدي لتسديد ديون الزراعة التي تحولت من مورد رزق إلى عبء.
من المصانع الخمسة عشر، تضررت ثمانية مصانع كليا وسبعة جزئيا. أما حجم الخسائر فهو 89 مليون ونصف المليون دولار، أي نصف حجم الخسائر الصناعية في كل لبنان جراء العدوان.
اليوم، وجد فقط عشرة في المئة من الموظفين الصناعيين السابقين وظائف بديلة، وفي مجالات مختلفة، وبرواتب متواضعة نظرا لارتفاع طلبات العمل، وانعدام العروض ...
وليس التعويض على مصانع البقاع بتفصيل، فهي كانت خلال الحرب هدفا أساسيا ومحوريا للعدو، لكونها تنافس المصانع الإسرائيلية في دول المشرق العربية منها وغير العربية. وكأنما العدوان الإسرائيلي استكمل لاحقا بعدوان محلي رسمي تمثل بإهمال هذا القطاع والإحجام عن تعويض خسائره بما يسمح بإعادة نهوضه مجددا، باستثناء تعميم يتيم صادر عن مصرف لبنان دخل حيز التنفيذ في تموز الجاري، قضى بدعم القطاع الصناعي عبر تخصيص قروض ميسرة لأصحاب المصانع المتضررة في كل لبنان من خلال طلبات تقدم إلى المصارف التجارية، ويقوم مصرف لبنان بمنح المصارف المانحة تسهيلات هي عبارة عن حوافز.
ويقضي التعميم بتقديم ما يوازي الستين في المئة من قيمة الأضرار المالية لأي من المعامل المتضررة، ويصار بعدها إلى تقديم قروض مالية دون فوائد مالية بقيمة بما يوازي عشرين بالمئة من الأضرار، والعشرين الباقية من قيمة الأضرار يتحملها المساهمون في المعامل.
إلا أن الواقع الحالي يشير إلى أن الصناعي اللبناني والبقاعي تحديدا، تحمل قيمة الأضرار في معامله وحده، لغاية تموز الجاري. ويؤكد رئيس مجلس إدارة معمل «ألبان لبنان» محمد زيدان أن المعمل «لم يقبض أي قرش من تاريخ الضربة في تموز 2006 ولغاية أيار 2009، والتقدم الحاصل هو فقط عن طريق تعميم مصرف لبنان».
بدوره، يؤكد رئيس اللجنة العليا للإغاثة اللواء يحيى رعد أن الهيئة لا تملك الأموال اللازمة للتعويض على الخسائر التجارية والصناعية في كل لبنان وليس في البقاع فقط.
ويشير رعد إلى أن الهيئة اقترحت تشكيل لجنة وزارية تهتم بجمع الأموال اللازمة من منح وهبات للتعويض على القطاع الصناعي، لافتاً إلى أنه لم يتسلم ملفات المعامل والمؤسسات المتضررة بانتظار تأمين أموال التعويض من جهة، ووضع ألآلية التي ستعتمد من جهة أخرى. وأكدّ رعد أن الهيئة لم تدفع تعويضاً لأي معمل تضرر في عدوان تموز في كل لبنان.
وللتذكير، فخلال عدوان تموز، شهدت منطقة البقاع عدوانا اقتصاديا تمثل باستهداف كل من المعامل التالية، «ألبان لبنان»، «لامارتين»، «دلال»، «ماليبان»، «مشغل الرجبي للفاكهة والخضار»، مرأب للشاحنات والباصات، معمل إسفنج في غزة، مؤسستان لمواد البناء (الموسوي) في شتورا واتوستراد رياق ـ بعلبك، عدا الأضرار غير المباشرة التي تمثلت بتوقف عجلة الإنتاج خلال الحرب.
للوهلة الأولى، وبعد جولة على مصانع البقاع في المنطقة الصناعية في تعنايل، يخيل للمرء أن العدوان ما زال مستمرا، فالركام على حاله، والمصانع باتت مكبّات لخردة الآلات الصناعية التي طحنتها الصواريخ والقنابل الإسرائيلية. أما العمال فتشردوا على أبواب المسؤولين.
في تقرير رسمي لـ«غرفة التجارة والصناعة والزراعة» في زحلة والبقاع، قدرت المساعدات المالية المطلوبة بشكل قروض ميسرة طويلة الأجل للمصانع المتضررة بالعدوان بثمانية وسبعين مليون دولار. إلا أنه لم يصل أي منها، بالرغم من كل الوعود والمراجعات التي تكررت مع كل المسؤولين الرسميين وفق ما يقول رئيس لجنة الصناعة في الغرفة أنطوان صليبا.
ويعرب صليبا عن أمله «بمساعدة فورية من الدولة للمصانع المتضررة، لإعادة النهوض بالقطاع الذي يحتضر وتتراجع صادراته شهرا بعد شهر في ظل استباحة خارجية من كل السلع العربية والأجنبية للسوق اللبنانية مما يزيد من مآسي الصناعة في لبنان التي لا تملك أدنى مقومات المنافسة لأي سلعة عربية في ظل أسعار النفط الحالية».
أما رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين فادي عبود فيقول إن «السيادة الفعلية لأي وطن تكون باقتصاده المحصن وصناعته الفعالة» مطالبا بتطبيق شعارات الحملات الانتخابية الأخيرة التي طالبت بالسيادة والحرية والاستقلال، «لأن الترجمة الفعلية لهذه الشعارات تكون بدعم القطاعات الإنتاجية ومساعدتها على النهوض من كبوتها وخسائرها».
ولكن يبدو أن المعامل البقاعية «تنتظر فرجا ما لم يعد بالإمكان توقعه»، وفق ما يقول جورج حنا، مدير معامل دلال لإنتاج البيوت الجاهزة.
فبعد ستة أشهر من انتهاء عدوان تموز، قامت إدارة «معامل دلال» بنفض آثار وركام العدوان والصواريخ التي دمرت المعمل تدميرا كاملا، وأطلقت عجلة الإنتاج بمجهود فردي، حتى وصلت في الذكرى الثالثة للعدوان إلى استعادة كامل طاقة المعمل الإنتاجية، في انتظار دور الدولة وإقراراها للتعويضات.
على بعد أمتار من معامل دلال، يقع مصنع «ماليبان» لصناعة الزجاج، الذي ما زال ينتظر إقرار الدفعة الأولى من التعويضات الموعودة ليطلق عجلة الإنتاج وإعادة بناء أفرانه المدمرة كليا.
ويؤكد رئيس تجمع صناعيي البقاع محي الدين النخلاوي على قرار الإدارة بإعادة التشغيل والبناء شرط دفع التعويضات المالية والاستفادة من القروض الميسرة وفق الآلية التي عممها مصرف لبنان.
أما في «مصنع لامارتين» للصناعات الغذائية، فلم تتكفل كل الجهود سوى بإطلاق عجلة خط إنتاج لسبعة أصناف من أصل ثلاثين صنفا كان ينتجها المعمل قبل العدوان. ويقول حسين عامر، صاحب المعمل الذي يداوم يوميا في غرفة للحرس، انه يعمل على تأمين المواد الأولية للأصناف السبعة وتصريفها في ظل تخلي كل أجهزة الدولة عن «أقل واجباتها».
في المقابل، وفي مصنع «ألبان لبنان»، تبدو الأجواء مختلفة كون عملية إعادة ترميم وتأهيل المعمل والمزارع تجري بوتيرة سريعة، وذلك لأن المصنع استفاد من تعميم مصرف لبنان.
فالمصنع يشهد عملية إعادة اعمار وبناء وتأهيل ويتوقع مديره الإداري المهندس هشام العريبي أن تعود وتيرة الإنتاج إلى سابق عهدها خلال أقل من سنة، ومع زيادة في الأصناف الغذائية المنتجة إلى ما يفوق السبعين صنفا.
ويقتصر الإنتاج الحالي على سبعة أصناف من الحليب واللبن واللبنة والعيران، بالإضافة إلى صنف من الحليب المصنع في مصر بإشراف شركتي «كانديا» و«ليبان ليه» ومعفي من الرسوم الجمركية.
ويعيد العريبي السبب في الاستيراد لعدم وجود آلات صناعية لتعبئة هذا الصنف من الحليب.
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
31 | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 |
7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 |
14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 |
21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 |
28 | 29 | 30 | 1 | 2 | 3 | 4 |