الصومال: حرب أهلية مفتوحة منذ 1991

إعداد: سناء البيطار

يتخبط الصومال في ازمة كيانية وسياسية حادة، نعلم بدايتها ولكن الامل في نهايتها ليس مرهوناً بإرادة اطراف اللعبة الداخلية المعقدة حيث لا تلبث معارضة ان تتحول الى سلطة فينشق من رحمها معارضة لها فحسب، بقدر هو مرهون بمشاركة اطراف خارجيين، لتترافق مع طبيعة المجتمع الصومالي حيث تشكل القبيلة الوحدة الاساسية التي تسير عليها المعادلات السياسية، ولا سيما منذ دخول البلاد في اتون الحرب الاهلية عام 1991، والتي انتجت العديد من الازمات الانسانية والاجتماعية والاقتصادية، ولا سيما القرصنة واللاجئين.
وتباين النظام السياسي الصومالي منذ استقلاله في 30 حزيران (يونيو) سنة 1960، من الديموقراطية العلمانية الى الديكتاتورية الاشتراكية الى القبلية وصولا الى مرحلة الفوضى بدءا من عام 1991، لتظهر "المحاكم الاسلامية" التي انشقت عنها معارضة اسلامية متشددة مؤلفة من فصائل عدة ابرزها حركة الشباب الاسلامية المتمردة والتحالف من اجل تحرير الصومال ـ جناح اسمرة، والمتهمة بكونها امتدادا لحركة طالبان وبتحويل البلاد ملاذا آمنا لقادة تنظيم القاعدة واعضائه، ما جعل من الصومال محطة لاهتمام المجتمع الدولي. كل ذلك، يطرح التساؤل عن كيفية تطور مراحل البلاد تاريخيا، وعن ماهية الاطراف الذين يديرون اللعبة وأهدافهم.
ويغذي هذا الاهتمام الدولي تزايد القلق من ان تصبح الصومال ساحة حرب اقليمية بين اثيوبيا التي تدعم الحكومة الانتقالية والرئيس الحالي للبلاد شريف شيخ احمد وبين ارتيريا التي تدعم المعارضة الجديدة. كما ان تصفية الحسابات بين اللاعبين الاقليميين لا تقتصر على اثيوبيا واريتريا، فهناك نحو 12 دولة ضالعة في الصراع داخل الصومال باشكال مختلفة وأهم هذه الدول الولايات المتحدة وايطاليا ومصر والسودان واثيوبيا وأوغندا وارتريا وليبيا واليمن وايران ودول اخرى، بحسب معطيات الامم المتحدة.
وتقع الصومال في البروز الشرقي من افريقيا المعروف بالقرن الافريقي وبذلك يطل على جبهتين بحريتين، على المحيط الهندي من راس كامبوني بعد خط الاستواء جنوبا وحتى راس عسير غواردفوي شمالا بمسافة طولها 2100 كيلومترا، والثانية على خليج عدن حيث تنشط اعمال القرصنة والتي تشكل ازمة عالمية يصعب التعامل معها، من راس عسير شرقا الى ما بعد زيلع غربا بمسافة 1200 كيلومترا، ولها حدود برية مع كل من جيبوتي وكينيا. اما الصومال السياسي فيقع ما بين درجتي عرض 12 شمالا و3 درجة جنوبا.
ويسود طابع الهضاب معظم مساحة البلاد في الشمال، بينما تسود السهول معظم المنطقة الجنوبية حيث تستخدم كمراع طبيعية فيما السهول الداخلية تستخدم للزراعة، ويمتلك الصومال اطول شاطئ من بين الدول العربية وثانيها من بين الدول الافريقية. وتقدر المساحة المزروعة في البلاد بـ8 ملايين هكتار، اما الصناعة فلا تلعب دورا ذا شأن في التنمية الاقتصادية للبلاد.
النظام القبلي
العامل القبلي هو الحاضر الغائب في المجتمع الصومالي والمتربص في الحياة السياسية، بما لها القبيلة من علاقات معقدة تتداخل وتتشابك فيها المصالح والمشاكل، حتى في الحكومة والبرلمان وموظفو الدولة الذين يتم تقسيمهم وتصنيفهم بشكل دقيق وفق التوازنات القبلية؛ وعلى هذا الاساس يتوقف نجاح اي طرف سياسي كان وهو الاختبار الذي يسري على اداء "المحاكم الاسلامية" ووجودها وتشكيلاتها، حيث تتكون المحاكم الاحدى عشرة في الصومال من تجمعات عشائرية تنحدر من قبيلة "الهويي" كبرى القبائل الصومالية.
ويتكون المجتمع الصومالي من 5 قبائل، كما تقسم البلاد الى خمسة اجزاء، حيث تتمثل بأطراف النجمة المرسومة على العلم، والتي كانت كل منها تحت احتلال دولة استعمارية حتى الاستقلال عام 1960، وهم: الهوية، الاسحاق، الدارود، دير، والرحنوين.
ويبلغ عدد سكان الصومال نحو 9 ملايين نسمة معظمهم ذوو اصول عربية واللغة العربية هي لغة رسمية الى جانب الصومالية ويعتنقون الديانة الاسلامية بنسبة مرتفعة جدا، اما مساحته فهي 637640 كيلومتر مربع.
والصومال عضو مؤسس في كل من منظمة الوحدة الافريقية 1963 ومنظمة المؤتمر الاسلامي 1969 وانضم الى الامم المتحدة 1960 اي بعد الاستقلال مباشرة، والى جامعة الدول العربية 1974 مع العلم ان هناك بعض الاطراف الصوماليين المعارضين ينفون ان يكون الصومال بلدا عربيا، حيث يقول ابرز قادة المعارضة الاسلامية الصومالية حسين عيديد "اننا نؤمن بأن الشعب الصومالي شعب افريقي وليس عربيا وان الصومال عضو فقط في الجامعة العربية لكن الامة الصومالية لا تنتمي للعرب او للعروبة بأي صلة". ويضيف "انه امر حيوي ان يتم تحديد هوية الصومال كدولة افريقية، وان العرب مجرد جيران لنا، ولكننا لا نقبل ان يكون الصومال دولة عربية".
التقلبات السياسية حتى 1991
تعاقب على رئاسة البلاد ثلاثة رؤساء، منذ الاستقلال وحتى بداية الحرب الاهلية القبلية، هم على التوالي:
آدم عبد الله عثمان (1961-1967)، حيث اتسمت فترته بالديموقراطية المفتوحة وبالعلمانية ونظام التعددية الحزبية وتكونت الملامح الاولى للدولة الصومالية، وتغيرت رئاسة الوزارة مرتين، وهو اول رئيس افريقي يسلم السلطة بشكل ديموقراطي على اثر هزيمته في الانتخابات الرئاسية على يد منافسه عبد الرشيد علي شرماركي (1967-1969) الذي اغتيل في 15 تشرين الاول (اكتوبر) 1969 وهو يقوم بجولة داخلية شمال البلاد على يد حراسه، وكان قد شغل منصب اول رئيس وزراء للبلاد عام 1960.
وبعد ايام من الاغتيال قام محمد سياد بري (1969-1991) بانقلاب عسكري ضد الحكومة، حيث كان قائدا للجيش، واعلن نفسه قائدا للمجلس الاعلى للثورة ثم رئيسا للبلاد في 21 من تشرين الاول 1969. تبنى سياد بري النهج الاشتراكي، وفرض حال الطوارئ وحظر الاحزاب السياسية ودخل في تحالف مع الاتحاد السوفياتي، واصبحت البلاد في عهده ابرز محاور الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي.
ويعتبر سياد بري باني الصومال الحديث، حيث اتسم عهده بالتحولات الكبيرة فعلى الصعيد الداخلي اعلن استعادة الاراضي الصومالية المحتلة بالقوة، ودخل في حرب مع اثيوبيا عام 1978 حول اقليم الاوجادين الذي كان جزءا من الصومال التاريخي. وفي عهده تمت كتابة اللغة الصومالية، وانخفض مستوى الامية، ووصل الصومال حد الاكتفاء الذاتي في الانتاج الغذائي، وانتعش الاقتصاد بفضل حركة التصدير.
لكن قبضة الرئيس تقلصت منذ الثمانينات بسبب نشوء المعارضة القبلية المسلحة ضده والتي بلغت ذروتها في العاصمة مقديشو، واسقط بانقلاب في 26 كانون الثاني (يناير)1991، حيث دخلت البلاد في نفق مجهول غاب من بعدها اي ممارسة للحكم الفعلي. وفي عهده تغيرت الحكومة 19 مرة، فيما تغيرت رئاسة الوزراء مرتين فقط.
نشاة "المحاكم الاسلامية"
على صعيد السلطة الرسمية، اعلن عضو البرلمان علي مهدي محمد (1991-1993) ،ذو الخلفية القبلية، عن تنصيبه رئيسا بعد يومين من سقوط سلفه اثناء مؤتمر صحافي عقده في جيبوتي. وبعد اشهر قليلة من تسلمه الرئاسة انفجرت الحرب الاهلية واحتدم الصراع بينه وبين الجنرال محمد فارح عيديد الذي على اثره دخلت البلاد دوامة الحرب القبلية حيث لم يعرف الصومال رئيسا ولا حكومة من منتصف 1993 حتى اب (اغسطس) عام 2000.
الا انه في العام 2000 انعقد مؤتمر في جيبوتي ساهم فيه الرئيس عبد القاسم صلاد (2000-2003)؛ حيث انتخب رئيسا مؤقتا للبلاد، وكان صلاد قد شارك في تأسيس "التجمع من اجل الاخاء في الصومال" عام 1998، لكنه لم يتمكن من فرض نفوذ الحكومة بسبب المعارضة الشديدة التي لقيها من زعماء القبائل، بالرغم من الاعتراف الدولي الذي حظي به من قبل الامم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الافريقي.
والرئيس عبد الله يوسف احمد (2004-2008) بعد ان انتخب في كينيا، اطيح ايضا بعد ان مورست عليه ضغوط خارجية وداخلية، وحوصر في مدينة بيديوا من قبل المحاكم الاسلامية التي كانت بقيادة الرئيس السابع والحالي شريف شيخ احمد، وكان يوسف احمد اضطر بحسب قوله لاستدعاء القوات الاثيوبية للتدخل رغم عدم موافقة البرلمان. فكيف نشأت المحاكم الاسلامية؟
ففي ظل اختفاء اي مظاهر للسلطة المركزية تلك الفترة، حاول العالم الازهري الشيخ محمد معلم حسن عام 1991 انشاء محكمة شرعية في منطقة "طورطيجلي" جنوب العاصمة مقديشو، وثاني محاولة جرت عام 1994 لتأسيس محكمة شرعية في الشطر الشمالي من العاصمة حيث استطاعت بسط نفوذها على اجزاء واسعة وقد نجحت المحاكم في فرض النظام الذي كان مفقودا بعدما نفذت احكاما رادعة من الرجم الى القصاص والاعدام.
وخلال سنتي 1996 و1997 بدأت المحاكم الاسلامية تظهر بقوة بدعم من رجال الاعمال في مقديشو وتمويلهم وكانت اشبه بوزارتي عدل وداخلية وذلك بعد فشل المبادرات فردية لاقامة المحاكم. بيد ان الرئيس انذاك دخل في صراع مع المحاكم وتمكن من القضاء على نفوذها القومي وحبسها في الاطار المحلي فقط عبر تفكيك اجهزتها القضائية والتنفيذية مستعينا بدعم الحكومة الاثيوبية لكن المحاكم ظلت موجودة ضمنا داخل كل قبيلة قبل اعادة انتشارها تدريجيا مرة اخرى.
ومع تصاعد العنف والفوضى عام 2001، وتضرر رجال الاعمال بقوة وبداية تمويلهم لقوات المحاكم، عادت الميليشيات لتلعب دورا عسكريا لفرض النظام ونجحت في تنفيذ عمليات مشتركة شاركت فيها الميليشيات التابعة لها في كل قبيلة في العاصمة.
ومع استمرار الصراع، تم في عام 2004 تاسيس اتحاد المحاكم الاسلامية في مقديشو، وانتخب الشيخ شريف شيخ احمد رئيسا له بحيث اصبحت العاصمة تضم ما لا يقل عن 11 محكمة شرعية، واعلن في 2005 تشكيل المجلس الاعلى للمحاكم الاسلامية حيث تولى الشيخ حسن طاهر عويس الذي تطارده الولايات المتحدة الاميركية وتضعه على "القائمة الارهابية" رئاسة مجلس الشورى الذي يعد اعلى هيئة تشريعية فيما وضع الشيخ شريف على قمة السلطة التنفيذية. الا انه وبعد اجتياح القوات الاثيوبية للبلاد نهاية 2006 (ديسمبر 2006ـ يناير 2007) فر شيخ شريف الى اريتريا وتحول لمقاومة القوات الاثيوبية المحتلة، واسس وزملاءه تحالفا جديدا باسم "تحالف اعادة تحرير الصومال" في بداية ايلول (سبتمبر)2007 وانتخب رئيسا للتحالف، حتى انتخب رئيسا للصومال في 31 من كانون الثاني (يناير) عام 2009 في جيبوتي.
واتبع الاتحاد هذه المرة سياسة عدم الصدام بامراء الحرب لحين التمكين وتكوين جيش قوي من الميليشيات الاسلامية المدعومة من القبائل والعشائر التي تبحث عن الهدوء والاستقرار حتى نجح في تشكيل قوة قوامها اكثر من خمسة الاف مقاتل مسلحين بشكل جيد. كما زاد من قوة هذه المحاكم ما تسرب عن دعم الاميركيين لامراء الحرب على يد القوات الاميركية التي تدخلت في البلاد باسم "التحالف لارساء السلام ومكافحة الارهاب"، ما اثار حفيظة الاهالي القبليين الذين ذاقوا ويلات الحرب على يد القوات الاميركية التي تدخلت في الصومال في الفترة من 2002 حتى 2004.
ونشير الى انه عندما يذكر اسم المحكمة يتبادر الى الذهن انها هيئة قضائية تقوم بالفصل في المنازعات المدنية والجنائية واصدار الاحكام في حق المتهمين الذين تثبت ادانتهم، غير ان المحاكم الاسلامية التي نشأت في الصومال هي عبارة عن سلسلة من الادارات واللجان المتعددة، ومنها العسكرية، التي تقوم بتنفيذ مهام متنوعة تخدم بصورة مباشرة او غير مباشرة الهدف الرئيسي للمحكمة وهو إثبات الامن والاستقرار. ولكن مع وصول المحاكم الاسلامية الى السلطة، لماذا لم تصل الصومال الى السلام بعد؟
حركة الشباب المتمردة
تولدت حركة الشباب المتمردة من رحم المحاكم الإسلامية وتطورت بخفاء وبعيدا عن أنظار الجميع، ما فاجأ بروز شوكتها العسكرية المراقبين والمجتمع الدولي قبيل الاحتلال الإثيوبي للصومال. فمنذ سقوط المحاكم الإسلامية في الصومال وهرب قادتها إلى بلدان أخرى ظهرت حركة شباب المجاهدين المتمردة بفترة ليست بالقصيرة بعد انشقاقها من صفوف المحاكم بسبب مخالفتهم للشريعة واستبدالهم الجهاد بالتعاون مع وطنيين وليبراليين والاسوأ من كل هذا إنشاء تحالف (تحالف من اجل تحرير الصومال) مع من ساندوا وايدوا غزو القوات الإثيوبية للصومال على رأسهم الزعيم المعراض حسين عيديد والذي كان من المدافعين عنه، ما ادى بالرئيس الصومالي عبد الله يوسف الى طلب المساعدة العسكرية من دول الجوار ومن المجتمع الدولي وواشنطن، الا ان قبيلة "الهويا" انتقدت الطلب معتبرة ان لا ضرورة لذلك ومحذرة من ان الامر سيفاقم الازمة الامنية والسياسية والانسانية في البلاد. وكذلك فعل الرئيس الحالي الامر مضطرا الى فرض حال الطوارئ منذ الاسبوع الماضي. وحاليا، تسيطر جماعة الشباب التي تعتبر وكيلا للقاعدة على معظم جنوب الصومال وكل العاصمة مقديشو باستثناء بعض البنايات.
وتهدف الحركة الى تطبيق الشريعة الاسلامية بشكل صارم في كل انحاء البلاد ومن ثم في العالم كافة، ويخشى ان يتحول الصومال الى ملاذ امن للاسلاميين الاجانب والارهابيين العالميين ولا سيما في حال انتصارهم، وخصوصا بعدما دعا زعيم القاعدة اسامة بن لادن في شريط مصور في اذار (مارس) المتمردين الى اسقاط الحكومة الحالية ومقاتلتها.
رغم التطورات المضنية، وإن كانت إيجابية، لعملية السلام التي بدأت باتفاقية جيبوتي المبرمة في 19 (اب) (أغسطس) 2008 بين الحكومة الاتحادية الانتقالية والمعارضة المعتدلة المشكلة من حركة "التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال" المتمركزة في جيبوتي في اطار عملية السلام التي تدعمها الامم المتحدة، فإن الأزمة الصومالية في جوانبها الثلاثة السياسي والأمني والإنساني ما فتئت حسبما يبدو بعيدة عن التوصل إلى حل مستدام ومتفق عليه.
كما لا تقتصر المعارضة الحالية على الحركة، فكذلك تصدع تحالف اعادة تحرير الصومال الى جناحين، جناح جيبوتي الذي يقوده الشيخ شريف فيما يقود جناح اسمرة الشيخ طاهر حسن عويس، وجاء الانقسام حول اتفاقة جيبوتي للسلام التي وقعت بين الحكومة والمعارضة الشهر الماضي برعاية الأمم المتحدة. ففي الوقت الذي بارك فيه الشيخ شريف أحمد هذه الاتفاقية، فإن عويس وقادة آخرين من المعارضة رفضوا هذه الاتفاقية بحجة أنها تمت خارج الأطر التنظيمية لتحالف المعارضة الصومالية الذي يتخذ من أسمرة مقرا له.
وترافق مع اعلان الناطق باسم رئيس الوزراء الاثيوبي في 1شباط 2009 (اكتوبر) ان بلاده التي تدخلت عسكريا في الصومال منذ نهاية 2006 بدأت بتنفيذ خطتها لسحب كل قواتها من الاراضي الصومالية استنادا الى اتفاقية جيبوتي، حتى بدأت حركة الشباب توسيع رقعة سيطرتها في البلاد وملء الفراغ الذي خلفته القوات الاثيوبية وكانت اخر المدن التي سقطت مدينة بيدوا المقر المؤقت للحكومة الانتقالية. ويحذر بعض المراقبين انه في حال اتحدت كل المجموعات المعارضة لاتفاقية جيبوتي ضد ما تمخض منها من تشكيل حكومة وحدة وطنية تحت لواء واحد، فانها ستشكل خطورة كبيرة على تفويض حكومة شيخ شريف.
من جانب آخر، دعا الرئيس شيخ شريف جميع خصومه إلى الحوار، وذلك ردًا على دعوات فصائل إسلامية لمقاطعته ومواصلة القتال ضد حكومته، كان طاهر عويس اول الرافضين، وقال "كيف نحاوره وقد ركب حصان العدو (الاثيوبي)؟"، مطالبا الزعيم الإسلامي بضرورة أن تحرر الصومال أولا من الإثيوبيين وعملائهم ثم يأتي دور الحوار بين الأطياف الصومالية لتشكيل الحكومة.
التدخلات الخارجية
ان وضع الصومال الجغرافي الواقع في منطقة استراتيجية هامة من العالم بين قوى معادية له وبظل ضعف السلطة الداخلية يسهل لاي دولة من دول الجوار، وغيرها، الاتفاق مع اطراف صومالية تنفذ سياساتها بالوكالة عنها، لذا لم يسلم شعب الصومال من خطط الدول الاستعمارية، ولم يهنأ بالاستقرار طيلة حياة هذه الدولة، فبعد الاستقلال ورثت الدولة تركة استعمارية تمثلت في توزيع أجزاء من إقليم الصومال الكبير على الدول المجاورة.
وبالعودة إلى التاريخ الاستعماري لمنطقة القرن الإفريقي في القرن التاسع عشر نجد أنه حينما بدأ الفرنسيون والإيطاليون محاولاتهم للسيطرة على أجزاء من هذه المنطقة المهمة، أسست بريطانيا محمية لها هناك عام 1887، وفي العام التالي وقعت اتفاقية مع فرنسا تم بموجبها تحديد المناطق التابعة لهما، ولم تتخلف إيطاليا عن الركب فاتخذت لنفسها محمية صغيرة عام 1889 ثم ضمت إليها في عام 1925 منطقة جبل لاند من كينيا ولم تتوقف عند هذا الحد بل وسعت سيطرتها عام 1936 لتشمل المناطق الصومالية المتاخمة لإثيوبيا المعروفة بأوغادين. وبعد هزيمة الإيطاليين في الحرب العالمية الثانية تم ضم كل هذه المناطق إلى بريطانيا وسميت الصومال ومنحت حكماً ذاتياً عام 1956 ثم نالت استقلالها عام 1960.
اما دول الجوار، فإثيوبيا تعتبر الفاعل الأكبر والأبرز في الأزمة الصومالية وتبعاتها مع الجيران، وتاريخها مع الصومال تاريخ حربي عدائي في المقام الأول، فرغم اشتراكهما في حدود تقدر بنحو ألف كيلومتر، إلا أن الحروب استمرت بينهما قرابة ستة قرون.
وتتشابه كينيا مع إثيوبيا في رغبتهما بالحفاظ على الفوضى في الصومال وتجنب الحكم الإسلامي هناك، ولا يمكن الحديث عن كينيا من دون الإشارة إلى مشكلة اللاجئين الصوماليين التي بدأت تتفجر على الحدود الكينية الصومالية، وتلتهم العوائد المالية الكينية التي حققتها جراء التدهور الصومالي، لأن المسؤولين الكينيين ألقوا بتبعات هذه الأزمة على الأمم المتحدة ووكالات إغاثة اللاجئين.
وهناك توافق كبير بين إريتريا والصومال من حيث التاريخ العدائي مع جارتهما الدولة الحبيسة إثيوبيا، وتشبه مشكلة إريتريا مع إثيوبيا إلى حد ما المشكلة الأخيرة مع الصومال، حيث تحتل إثيوبيا أراضي تابعة لإريتريا والصومال، ووجه الشبه الآخر هو أن إريتريا ذات سواحل طويلة وبتعداد سكان قليل مقارنة بالدولة الحبيسة، التي تتطلع إلى نفوذ وهيمنة في المنطقة، وتحاول إريتريا والصومال الحد من الطموحات الإثيوبية الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية.
اما جيبوتي فرغم أنها كانت جزءاً من "الصومال الكبير" ونيلها الاستقلال عام 1977 إلا أنها تتمتع بعلاقات قوية ومتوازنة مع إثيوبيا والصومال، ويعود الفضل في هذا للرعاية الفرنسية لها، حيث توجد أكبر قاعدة لفرنسا في إفريقيا هناك. وتؤمن جيبوتي أن المصالحة الشاملة هي ضرورة ماسة، وتسعى لحكومة صومالية قوية يحكمها وطنيون مع إسلاميين، يعيدون للمنطقة توازنها، ويكبحون جماح النفوذ الإثيوبي.
ورغم البعد الجغرافي النسبي لأوغندا عن الصومال، إلا أنه يمكن اعتبارها جاراً استراتيجياً، ليس لكونها تشارك في قوات حفظ السلام الإفريقية ولكن لأن قبائل ميوكي والتوتسي في كل من بوروندي ورواندا ذات أصول صومالية، وكذلك اهتمام الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني حيث يرى أن ذلك نوع من صلات القرابة والدم وثقافة مساعدة القبيلة السائد في إفريقيا.
وتمول الولايات المتحدة الحكومة الصومالية وترسل لها اسلحة ومعونات، كما طلبت اخيرا من القوات الاوغندية والبورندية الموجودة في الصومال لمشاركتها مع قوات حفظ السلام من قبل الاتحاد الافريقي اعطاء الحكومة الاسلحة. ويذكر ان نحو 4300 جندي من قوات حفظ السلام يتمركزون في البلاد.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأميركية قامت بتقديم الدعم المادي والمعنوي العسكري والسياسي للرئيس شيخ شريف أحمد، بعد اختفاء وانسحاب المقاومة الصومالية المسلحة بكافة فصائلها عام 2006 أمام تدخل القوات الأثيوبية وبمساندة القوات الأميركية، بعد أن تمكنت هذه الفصائل من بسط سيطرتها على معظم المدن الصومالية.
منذ عقد ونصف والصومال يرزح في الفوضى والخراب والموت والدمار سواء بعوامل داخلية أو اقليمية ودولية حكمت عليه الحصول على المرتبة الأولى بين البلدان الأكثر دمارا وفشلا على الإطلاق في العالم اجمع سببها الاقتتال الداخلي في المرتبة الأولى وثانيا وجود إرادات إقليمية ودولية تريد بقاء الصومال في حال من التشرذم والفوضى.