تعليقاً على تقرير التنمية الإنسانية العربية عـرب قيـد الدرس

نصري الصايغ
زمن الوصف لم ينته بعد. الكلام عن الأحوال العربية، مدعماً بالبراهين والأرقام، يؤكد أن حالة التراجع تسير بسرعة مطّردة الى المزيد من التخلف، مبتعدة بجدارة عن الإصلاح، أو عن فتات الإصلاح.
يأتي الوصف بكامل أناقته محاطاً بمهرجان احتفالي، ومناقشات فاخرة جداً في أرقى فنادق العاصمة، عبر تقرير التنمية للعام 2009، الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمكتب الإقليمي للدول العربية.
لا تعليق على الفخامة والاحتفالية، مؤقتاً على الأقل، هذا له موقع آخر، يتطلب جردة حسابية بكلفة البرامج التي تنشئها الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة، حيث إن برامج مكافحة الجوع، ينفق معظمها على الدراسات والوفود والباحثين. فمع كل مشروع للحد من انتشار «نظام الجوع» في العالم، تمهيداً لإلغائه، ينتشر هذا الوباء ويتفاقم عدد ضحاياه، برغم الإنفاق المكلف جداً، لمؤتمرات مكافحة المجاعة.
نعم، لا تعليق.
لكن لا بد من سؤال: هل وصف الأحوال العربية كاف؟ أليس هناك، خلف التقرير وما يصدره من توصيات، أمر آخر لم يكتشف بعد؟ هل هذا التقرير مضبطة اتهام شاملة للحياة العربية؟ هل نحن في تنوعنا وثرائنا، نفرط بالوئام والفائدة، لمصلحة النزاع والصراع والفتن؟ هل نحن نفرط بأمن الدولة وأمن المواطن؟ وهل المسؤولية على النظام العالمي (السياسة المعولمة البائسة) أم على حماة هذه الأنظمة الاستبدادية؟ هل الاستبداد مرض شرقي أم سلعة غربية بامتياز، بثياب شرقية تلبس لبوس الدين والفقه وعباءة اللغة العربية؟. هل دولنا العربية دول محظية ومحروسة (ممن؟) أم هي دول مقبوض عليها، لمصلحة أنظمة وقيادات شريكة أساسية في أسواق الاستهلاك المعولم، والفساد الدولي المنظم؟ من يمنع وضع ضوابط لهذه الدول المارقة (على شعوبها)، أليست قيادات المجتمع الدولي، كما السياسو ـ اقتصادية العملاقة المنتشرة بقبضاتها الإنتاجية السلعية؟
أسئلة أخرى تضاف الى لائحة اتهام، لا تطال الأنظمة العربية، ومؤسساتها الدكتاتورية الفظة وحسب، بل تصل الى قلب الآلة المنتجة «للديموقراطيات» غب الطلب، بالقوة العسكرية، والحارسة للدكتاتوريات المرعية سياسياً، أكانت ملكية أم جمهورية أم عشائرية أم عائلية؟
لسنا فاسدين بالسليقة. لسنا من سلالة ثقافية متخلفة، لا ينتمي العالم العربي الى فئة الشعوب المدجنة. إن تخلفنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي والبيئي، نتاج زواج مزمن، بين نظام انترنسيوني شره، وخدم متوّجين زعماء وملوكاً، لهذا النظام المعولم.
ينظر التقرير الى حالتنا ويعريها كما هي. والصورة حقيقية جداً، ومؤلمة بشكل باهظ. فلا أمن للمواطن على حياته وعمله وخبزه ودوائه ومائه. لا أمن على حقوقه التي تغتصبها السلطات العربية، بالتعكز على قضاء بمعايير مزدوجة. ولا أمن على حريته، أكان فرداً أم حزباً أم نقابة أم مقاومة لاحتلال.
الخلاصة أننا نتراجع، نسابق الزمن الى الوراء. يريدنا الغرب أن نتقدم بمقدار ما يرى في تقدمنا فائدة له، ويرغب بتراجعنا بمقدار ما يتيح له هذا التراجع أن يتقدم بمفرده.
إن العجز العربي الراهن، قرار اشترك في تدبيجه نظام العولمة الاجتياحية السائد، وريث نظام الاستعمار، وحصة العرب في هذا العجز، انه يتلاءم بشكل مبرم، مع ضرورات البقاء في حالة العجز المفروضة دولياً.
فلسطين برهان. ممنوع أن تكون فلسطينياً في فلسطين، كن فلسطينياً في كل مكان إلا في وطنك.
العراق برهان. ممنوع أن يكون العراق موحداً إلا في ظل دكتاتورية. أعطي العراق حرية تقود الى التجزئة والفتنة، عدد الضحايا بمئات الآلاف.
المقاومة برهان. لدى العرب حالة نموذجية للمواجهة، حالة نقية من القدرة والفعالية والقوة، ومع ذلك العالم المتمدن صاحب الأيادي البيضاء في تدبيج «نصوص التنمية المستدامة» وتصدير الديموقراطية، يجيش العالم ضدها.
العرب ليسوا ضحايا ثقافتهم ودينهم وتقاليدهم وتاريخهم، إنهم ضحايا سياسية، دمرت ثقافتهم وشوهت رسالتهم وأبادت تقاليدهم وأفرغت تاريخهم من مدلولاته.
تقرير ينصف كتابه… ينصف الدارسين والمؤلفين.. فمن سينصف العرب الذين كانوا قيد الدرس؟
لا جواب. هل نتذكر أننا من «المسألة الشرقية»؟.