العريضي: المعالجة السياسية مدخل للحل ولا شيء مستحيلاً وزني: المطلوب حكومة جاهزة للإستثمار ودفع فاتورة الإصلاح

لا يختلف الحديث مع المسؤولين والخبراء والمعنيين بالشأن العام عما هو عليه مع المواطنين حين يكون الموضوع مرتبطا بالازمات الاجتماعية والاقتصادية على اختلاف انواعها. يشكو المواطن من انقطاع التيار الكهربائي، وكذلك يفعل المسؤول. يتذمر المواطن من ارتفاع اسعار المشتقات النفطية، وكذلك يفعل المسؤول. يتساءل المواطن ماذا تفعل الحكومة في اجتماعاتها المطولة، ويجيبه المسؤول تناقش ولكن لا تتابع تنفيذ القرارات . تذهب الى المسؤول محملا بشكاوى المواطنين، فتخرج من عنده وقد زاد الحمل بسبب المعادلة البسيطة التي تقول ان لا حلول في لبنان من دون تغيير الذهنية الحاكمة. هذه العبارة التي تختصرحلول كل الازمات، لا حل لها، أقله في المدى المنظور.
أزمة الكهرباء، تصاعد اسعار المشتقات النفطية، ارتفاع اعداد العاطلين عن العمل، كلها قضايا عالقة في لبنان منذ اعوام طويلة، ولم تجد طريقها الى الحل بعد بسبب السياسات المعتمدة الناتجة عن ذهنية الطبقة الحاكمة. هذا ما يمكن استنتاجه من الحديث مع وزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي، الذي يؤكد ان "لا شيء مستحيلاً في لبنان، وكل الازمات لها حل، ولكن ينقص اتخاذ القرارات المناسبة". معادلة يعرفها الجميع، ولكنها من أصعب المعادلات واكثرها تعقيدا، مما ينقض نظرية ان لا مستحيلات في لبنان، لأن تغيير الذهنية هو من رابع المستحيلات. والتجربة خلال الاعوام الماضية التي تلت انتهاء الحرب اللبنانية كانت خير دليل.
تعتبر ازمة الكهرباء في لبنان نموذجا فاضحا للتعامل الرسمي مع اكثر القضايا حيوية وتأثيرا على مفاصل الحياة اليومية. ولا تحتاج هذه الازمة الى طول شرح وتفصيل. اذ ان كل اللبنانيين في الوطن والمهجر حفظوا عن ظهر قلب أسباب الازمة وموجباتها. ولن يكون مستغربا لو ادرجت ازمة الكهرباء في المناهج المدرسية او اضيفت الى الدليل السياحي الذي يفترض ان تكون قد اعدته وزارة السياحة في اطار تحضيراتها لاستقبال المليوني سائح الموعودين، وذلك بعدما تحولت ازمة الكهرباء الى معلم من معالم لبنان، بلد السياحة والخدمات.
ورغم ان اسباب الازمة باتت معروفة، فلا ضير من التذكير بها لمن فاته بعض تفاصيلها وخصوصا اولئك المغتربين الذين عادوا يزورون لبنان بعد انقطاع طويل.
يحدد الخبير الاقتصادي غازي وزني اسباب الازمة، التي يشكل الهدر عنوانها الابرز، على الشكل الآتي:
- انخفاض قدرة الانتاج مقابل ارتفاع الطلب على الطاقة. ففي حين لا يتجاوز الانتاج 1500 ميغاواط، ترتفع الحاجة الى 2200 ميغاواط في الحد الادنى، وهي مرشحة الى مزيد في الارتفاع خلال السنوات المقبلة،
-ارتفاع سعر برميل النفط الذي يشكل اكثر من 80% من قدرة الانتاج
- مشاكل على المستويات الادارية والفنية والتقنية والجباية،
- نقص في عدد الموظفين،
- وجهة الاستعمال غير الملائمة للمعدات التي تم شراؤها، وغياب الصيانة الفعالة لها".
وفي طبيعة الحال، لا توجد حاليا اي حلول سريعة، ذلك ان الحل الذي قدمه وزير الطاقة والمياه آلان طابوريان لجهات شراء مولدات، يعتبر مؤقتا وذات فعالية محدودة، برأي وزني، الذي "يحذر من تفاقم الازمة مع تزايد الحركة السياحية خلال الموسم الحالي، علما ان كل التوقعات تشير الى ان أعداد السياح ستشهد ارتفاعا اضافيا السنة المقبلة تتجاوز نسبته 30 في المئة مقارنة مع ما هي عليه حاليا".

فضيحة الفضائح
يتفق الخبير الاقتصادي غازي وزني مع الوزير العريضي على ان شركة كهرباء لبنان تعاني من عدم وجود استراتيجية واضحة منذ لحظة تأسيسها. ولايختلف الاثنان ومعهم السواد الاعظم من اللبنانيين على ان ازمة الكهرباء حملت خزينة الدولة اعباء مالية كبيرة. ويشير وزني الى ان "هذه الخسائر بلغت اكثر من 13 مليار دولار اميركي خلال 15 سنة الماضية، وانها تشكل 25 في المئة من المديونية العامة التي لامست حدود الـ51 مليار دولار اميركي. ورغم ذلك، لا يوجد حتى اللحظة اي استراتجية واضحة لايجاد حل جذري لازمة الكهرباء او على الأقل خطة واقعية وفعالة تضع هذه الازمة على سكة الحل". وتساءل العريضي بدوره عما "اذا كان اي من الذين يتحدثون عن الدين العام قد بادر الى تفنيد قيمته؟" مشيرا الى ان "ازمة الكهرباء تسببت بثلث اساسه".
تلك هي المشاكل، ماذا عن الحلول؟
يعتبر وزني ان "معالجة ازمة الكهرباء هي داخلية في الدرجة الاولى، والحل يكون في حكومة قادرة على اتخاذ اجراءات اصلاحية فورية، مما يقتضي ان تكون الحكومة جاهزة لاستثمار مئات ملايين الدولارات في الاشهر القادمة. فالحل ليس في الكلام بل في دفع فاتورة الاصلاح مهما كانت الخطوة كبيرة ومكلفة". ويستشهد وزني بتجربة استجرار الغاز الطبيعي من مصر لانتاج 600 ميغاواط مشيرا الى انها "كانت خطوة ايجابية ادت الى توفير ما يفوق الـ 200 مليون دولار، وبناء عليه يقترح التركيز على استجرار الغاز من الدول العربية الاخرى، وتوقيع اتفاقات لاستجرار الغاز السائل من قطر وسوريا ودول المنطقة".
غير أن العريضي يرى ان "المشكلة في مكان آخر، وتقتضي معالجة في السياسة اولا. اذ انه مع دخول قضية الكهرباء في بازار التجاذب السياسي والمزايدات، وصلت الازمة الى كارثة مستحقة، نحن الآن في صلبها. ورغم ان موضوع الكهرباء طرح اكثر من مرة على بساط البحث، فان الطرح لم يكن حتى الآن جريئا، وشاملا، ونهائيا، ومحددا ضمن مدة زمنية معينة ينتهي فيها العمل لتصبح الكهرباء موجودة في كل لبنان. فضيحة الفضائح هي الكهرباء في لبنان. ومهما ادعى اللبنانيون انهم حققوا انجازات، وانهم اكفاء، وبارعون، ولامعون، فان العجز في معالجة مشكلة الكهرباء هو فضيحة وادانة لكل الطبقة السياسية في لبنان".
ويلفت العريضي الى ان "هناك افكار كثيرة ودراسات عدة قد انجزت، وعندنا خبراء ممتازون. وعندنا ايضا عقول، واصحاب تجارب ورؤى، ومواكبون بدقة للتطورات التقنية في العالم وللخيارات في موضوع الكهرباء. ولكن لا يوجد، في المقابل، استراتيجية واضحة، بل هناك سياسات عاطلة دفعت على سبيل المثال، احد الخبراء الذي كان عضوا في مجلس ادارة الكهرباء الى مغادرة البلاد الى الامارات حيث حدّث شركات الكهرباء في عدد من دول الخليج".
وفي انتقال الحديث الى علم الارقام يقول العريضي انه "اذا جمعنا ما يدفعه المواطنون من موازنة وزارة الطاقة بدءا بالنفقات الادارية والرواتب مرورا بالكلفة على الفيول وصيانة المعامل وتشغيلها، وصولا الى فواتير الكهرباء وكلفة المولدات في المؤسسات والمنازل، فنحن قادرون بكل بساطة على انشاء احدث محطات كهربائية في المنطقة. واذا استطاعت الحكومة الجديدة من دون تكبير احجام، واحلام، اوهام، ان ترسي اسس حل لازمة الكهرباء، تكون قد حققت انجاز الانجازات بعدما اصبح هذا الموضوع مطلبا بالنسبة للمواطنين والمؤسسات الرسمية، والخاصة، والصناعة. ذلك ان الوضع اصبح مأسويا ومكلفا على كل المستويات".
والحل برأي العريضي" لا يحتاج الى اكثر من اجتماع بين وزير الطاقة والمياه في الحكومة المقبلة مع عدد من الخبراء لارساء تصور خلال 15 عشر يوما والبدء مباشرة في تنفيذه".

أزمة صاعدة
وما يصح في الكهرباء التي شكلت "عميدة الازمات" في لبنان، ينطبق على المياه. ليس لأن هذين الشريانين الحيويين يتبعان للوزارة عينها، بل لأن التعاطي الرسمي لا يميز بين قضية واخرى لجهة اهمالها وتحويلها ازمة مستفحلة.
ورغم ان لبنان بلد غني في المياه التي شكلت سرقتها احد هواجس الاسرائيليين على مدى العصور، فإن شعبه يعاني شحا فيها على مدار السنة تقريبا. ويعتبر العريضي "ان لبنان لا يقدر اهمية الثروة التي يملكها والتي سبق ان قال الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز في شأنها، ان المياه كالغيوم لا احد يستطيع ان يدعي ملكيتها.اما نحن ماذا نفعل؟ نرميها في البحر، بدلا من ان ننشئ السدود للمحافظة عليها. ان كل ما انجزه لبنان على هذا المستوى كان سد شبروح الذي كلّف ما يعادل "بقرة جحا". ولم يجر استخدام اي من القروض التي حصل عليها لبنان لبناء السدود".
من الكهرباء الى المياه فالمشتقات النفطية التي سجلت صعودا باهرا في الآونة الاخيرة والتي ليس هناك ما يدل على انها ستجد طريقها الى الحل بالسرعة المطلوبة. واذا امعنت الحكومة في اهمال موضوع المشتقات النفطية كما سبق ان فعلت مع ازمة الكهرباء، فهذا يعني ان الاخيرة ستواجه قريبا، منافسا شرسا على لقب "ام الازمات".
يحمل وزني الحكومة مسؤولية ارتفاع اسعار المشتقات النفطية في لبنان. هذا الارتفاع الذي حول يوم الاربعاء، وهو الموعد الاسبوعي لاعادة تسعير المشتقات النفطية ربطا باسعارها العالمية، الى اربعاء اسود في روزنامة اللبنانيين الاسبوعية.
يؤكد وزني "ان الحكومة لم تستفد من خفض اسعار البنزين عالميا عندما راوح سعره بين 30 و35 دولارا، وذلك من خلال شراء احتياطات لبنان الكاملة لسنة 2009. لو كانت الحكومة واعية لهذا الاجراء لكانت وفرت ما يفوق 700 مليون دولار خلال السنة الحالية". اما لماذا لم تبادر الحكومة الى اتخاذ هذه الاجراءات؟ فلأنه، كما يشرح وزني، "لا توجد بكل بساطة سياسة واضحة ازاء التعامل مع المشتقات النفطية، ولأن الحكومة ركزت اهتمامها على تأمين مداخيلها في 2009 والبالغة 900 مليار ليرة من دون الاخذ في عين الاعتبار تأثير ارتفاع سعر صفيحة البنزين على حياة المواطنين".
ارتفع سعر الصفيحة منذ اشهر وحتى الآن اكثر من 35%، وتحتل حاليا الرسوم والضرائب نحو 40% من سعر صفيحة البنزين. وتظهر المؤشرات الاقتصادية العالمية ان سعر النفط العالمي سيرتفع خلال الاشهر المقبلة بسبب بداية تعافي الاقتصاد العالمي، مما سيؤدي الى ارتفاع الطلب والعودة الى المضاربات في الاسواق النفطية. كل هذا، ولا يبدو ان الحكومة واعية لما يجري حولها، أو ربما تكون واعية وتتظاهر بأنها لا تملك اي حل في ظل استيرادها النفط عبر وسطاء يتحكمون بسعر السوق، بدلا من ان تعمل على استيراده مباشرة.
ويلفت وزني في هذا الاطار الى انه " ليس منطقيا ان ترتفع اسعار المشتقات النفطية محليا مع ارتفاع اسعارها عالميا، وذلك بسبب استراتجية الدولة التي تضع اسعار المشتقات النفطية اسبوعيا بدلا من ان تضعها فصليا، مما يحول دون الافادة من الاسعار المنخفضة، وشراء حاجة لبنان من النفط في هذه الاثناء".
ازمة الكهرباء، والماء، واسعار المشتقات النفطية ليست العناوين الوحيدة التي تنتظر معالجة سريعة، بل هناك ايضا الوضع المعيشي الذي يتوقع وزني ان يزداد سوءا وخصوصا ان "كل المؤشرات تدل على ان التضخم سيعود عالميا، وسترتفع كذلك معدلات الفوائد.
من الناحية الثانية هناك الوضع الاجتماعي الذي تأزم في الآونة الاخيرة نتيجة ارتفاع معدلات البطالة جراء خسارة آلاف اللبنانيين وظائفهم في الخارج. وسيظهر الحجم الفعلي لهذه الخسائر خلال الاشهر المقبلة وخصوصا ان تداعيات الازمة الاجتماعية تأتي دوما متأخرة من 6 الى 9 اشهر عن تداعيات الازمة المالية والاقتصادية. كما يتوقع ان ترتفع معدلات البطالة بسبب دخول اكثر من 30 الف شاب الى سوق العمل سنويا مع غياب الفرص في الداخل والخارج".
ويبدو ان الحكومة المنهمكة في تعداد السياح، و الفرحة في المشاركة في المهرجانات التي تعم كل لبنان غير واعية ان معظمهم من اللبنانيين جاؤوا الى لبنان ليستقروا فيه بشكل كامل بعدما خسروا وظائفهم في الخارج. غدا، تذهب سكرة الصيف، فهل من يتحضر لفكرة السياح الوهميين الذين سيتحولون اعتبارا من شهر ايلول المقبل الى مقيمين دائمين يبحثون عن فرصة عمل في بلد لا فرص فيه؟
واذا كانت الحكومة السابقة (حكومة تصريف الاعمال حاليا) لم تستعد لاستقبال السياح، واكتفت بعبارات الترحيب وابداء السعادة المطلقة باستعادة لبنان موقعه على الخارطة السياحية في ظل ازمات تتناسل الواحدة تلو الاخرى بدءاً بالكهرباء، مرورا بالمشتقات النفطية وصولا الى ازمات معيشية واقتصادية يبدو ان وقعها سيكون اكثر قساوة خلال الخريف المقبل، فهل ستستطيع الحكومة المرتقبة ولادتها المتعسرة ان " تشيل الزير من البير" كما يقول المثل الشائع.
التفاؤل بناء على تجارب سابقة، يبدو اشبه بـ"وعد ابليس في الجنة". وما يقوله العريضي في هذا الاطار بوصفه وزيرا ليس في الحكومة السابقة فحسب، بل في عدد من الحكومات التي سبقتها ايضا يعتبر بمثابة شهادة لا بل اعتراف من احد "ابناء اهل البيت"، اي الحكومة. يقول العريضي ردا على سؤال حول ما تفعله الحكومة عند اجتماعها وبحثها في قضايا حيوية مثل الكهرباء، والسياح، وسواها يقول" تناقش هذه المواضيع، وبصير في حكي، وينتهي الامر عند هذا الحد، فلا احد ينفذ، ولا احد يتابع، ولا احد يحاسب". ويعطي العريضي مثالا حيا، تنتفي معه اي قيمة للرهان على تحسن الامور مستقبلا، اذ يكشف ان اي تدابير لم تتخذ لمواكبة الألعاب الفرنكوفونية التي يستضيفها لبنان خلال شهر ايلول المقبل، علما أنه يتوقع وصول 6 آلاف شخص للمشاركة في هذا الحدث الرياضي".
وبعد...؟!

جنى نصرالله