مساء الأحد الماضي، اشتعل مدرج مسرح ميناء جبيل بالهتافات والرايات وبالتهليل والرقص والتصفيق والصفير. هذا الجمهور المحتفل كان بمعظمه من المراهقين والمراهقات. أما على خشبة المسرح فكانت فرقة «جثروتل» الانكليزية تقدم لنا أفضل ما توصلت اليه عبر مسيرتها مع موسيقى «الروك التقدمية» منذ السبعينيات وبمناسبة بلوغها اليوبيل الأربعيني. طبعاً لم تصل هذه الفرقة الى حدود منافسة «بينك فلويد» جماهيرياً ولا «البيتلز» ولا «الرولينغ ستونز»، ولكن هذه الفرقة أصبحت اليوم أكثر شهرة مما كانت عليه في الماضي، ربما بسبب صمودها في عزف الروك والبــلوز والجاز طوال هذه السنين، وربما بسبب عــزف قائدها إيان اندرسن على آلة الفلوت (النــاي المعدني) وهي آلة عريقة في تقديمــاتها الموسـيقية الكلاسيكية.
تعزف هذه الفرقة منذ مطلع السبعينيات. أكثر من أربعين عاماً من التجارب الموسيقية التي تمزج أداء الفلوت بأداء الدرامز والغيتار والصنوج والطبول. وطوال تلك الأمسية، حاول أندرسن ليس فقط العزف والعناء، بل أيضاً التحدث مع الجمهور من خلال الفلوت، فهو عاشق للفلوت كما هو عازف عليه.
يتميز عزف هذه الفرقة بأبنيته الغنائية المعقدة والفريدة، ومع ان هذا العزف ابتدأ مع البلوز بنكهة تجريبية، إلا انه تضمن لاحقاً عناصر من الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى السلتيّة الفلولكورية، بالإضافة طبعاً الى موسيقى الروك وفنونها الأدائية مستوعباً ومطوراً «الروك البديل» الذي اشتهر في تسعينيات القرن الماضي ولا يزال مستمراً حتى أيامنا الحاضرة.
الحكواتي العازف
تجتمع في شخصية إيان اندرسن، مؤسس الفرقة وقائدها، صفات متعددة. فهو يغني ويرقص ويعزف على الفلوت وعلى الغيتار الكهربائي والهارمونيكا والماندولين. وقد تحول اندرسن على الخشبة الى الراوي والمغني والممثل والراقص الذي لم يهدأ على المسرح متميزاً بخفة حركاته وبتحليه بروح المرح والفكاهة وكأنه الحكواتي الشرقي العازف والراقص ضمن الأساليب الغربية. كما تميز عزف «مارتن باري» في عزفه على الغيتار الكهربائي، و«دوان بيري» على الدرامز و«جون أوهارا» على مفاتيح الأورغ الكهربائي ودايفد غودير على «الباص». كل عازف من هؤلاء قدم أجود ما عنده وبالتوالي، بحيث كان لعب الصولو ناجحاً ومتألقاً سواء في تقديم وصلات مطولة من العزف على الدرامز، التي أثارت هياج الجمهور وتصفيقه أم في عزف الأورغ الكهربائي. هكذا جاء الأداء الموسيقي مثيراً وحنوناً يستعيد موسيقى القرون الماضية بملابس موسيقية حديثة فبعض المقطوعات (كوكوسيرينيد، والغابة والأحصنة الثقيلة وساحة ليستر، وأصداء من أغنية قديمة موجهة الى هنري الثامن تحكي علاقته الدموية بنسائه، ومعزوفة لباخ)، استطاعت ان تحلق بالجمهور في أجواء استعادة الماضي والسخرية منه في آن. حتى انه في أغنية الأحصنة الثقيلة هناك دعوة الى التخلي عن الآلات الزراعية الحديثة والعودة الى الأحصنة والبغال والأساليب الزراعية القديمة. وأيضاً تفردت أغنية «الإوزة الأم» بمناخها الريفي والفلكلوري الساخر وبمعانيها الانتقادية والتهكمية.
اللاانتماء الموسيقي
طوال مسار الأمسية، كان عزف الفلوت جداول موسيقية تخترق الأزمنة والأمكنة، وتربط الآلات الموسيقية الأخرى بعضها ببعض، ولكن للأسف، وفي معظم المعزوفات كان إيقاع الدرامز والغيتار الكهربائي أقوى من ايقاعات الفلوت، باستثناء عزف الفرقة لمعزوفة «الكوكوسيرينيد» ومعزوفة لباخ، وهو عزف كلاسيكي خالص، تمت فيه الموازنة والتلاؤم والتناغم بين الفلوت والآلات الأخرى.
ليست أعمال «جثروتل» موسيقية فقط، بل هي أغنيات تحكي قصصاً ملحمية أو تعالج موضوعات عاطفية بمعظمها، (الحب في الأرياف)، بلغت ذروتها الترويجية في الأرياف البريطانية منذ أواخر الثمانينيات، وتربعت على عرشها. انها موسيقى غير منتمية الى أي زمن او مكان او طراز خاص. وهذا ما يجعل «جثروتل» من أساطير فرق الروك، لأنها تشكل محاولة بريطانية لرفع شأن موسيقى الروك الى مستويات جــديدة من التعبير الإيقاعي الذي يمزج تراث الماضي الموسيقي الكلاسيكي بالمستجدات الإيقاعية للحاضر وبالتطلعات الى المستقبل.
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
31 | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 |
7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 |
14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 |
21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 |
28 | 29 | 30 | 1 | 2 | 3 | 4 |