لم تنته تداعيات الحكم القضائي الرامي إلى إعطاء مواطنة لبنانية متزوّجة من أجنبي، أولادها جنسيتها اللبنانية، وبدلاً من أن تتلقّفه الجهات المعنية برحابة صدر وتتعامل معه كخطوة تمهيدية لتشريع حقّ كثيرات من السيّدات اللبنانيات اللواتي يعملن جاهدات لاستصدار قانون بهذا الخصوص وبهذا الطلب المزمن أو تعديل قانون الجنسية الموضوع في العام 1925، وضعت سلسلة عراقيل في طريقه إلى النور، وبإيعاز سياسي واضح.
ولم تهدأ مفاعيل الضجّة القانونية التي أثارها هذا الحكم الصادر عن الغرفة الخامسة لمحكمة الدرجة الأولى في جديدة المتن الناظرة بدعاوى الأحوال الشخصية برئاسة القاضي جون القزي وعضوية القاضيتين رنا حبقا ولميس كزما، والذي صار حديث الجميع في مختلف قصور العدل، وموضع نقاشاتهم الساخنة، كونه جاء عكس الرياح وما تشتهيه السياسة في بلد صاخب بالطائفية والمذهبية، لكن مذيّلاً باجتهاد قضائي، يمكن التأسيس عليه في قرارات مماثلة تضع حدّاً للتلاعب بحياة مواطنين من حقّهم أن يحملوا جنسية أمهاتهم اللبنانيات، كما يحصل في الكثير من دول العالم.
وبعدما كانت النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان قد تركت لتقدير هيئة المحكمة المذكورة البتّ بأمر الدعوى المقدّمة من اللبنانية سميرة سويدان بواسطة وكيلتها المحامية سهى إسماعيل، عادت واستأنفت هذا الحكم، في إشارة واضحة إلى تنفيذ رغبة سياسية جامحة بمنع تحقّق مفاعيل هذا الحكم، وإلاّ لما تراجعت ولو متأخّرة، عن خطأ جسيم ارتكبته وفات أوان تداركه ولو عبر الطرق القانونية المشروعة.
فهل يحقّ للنيابة العامة معاودة استئناف قرار تركت أمر التقدير فيه للمحكمة المعنية، وبمعنى آخر محاولة «تصويب وتصحيح» رأي أعطته وصار ملزماً لها؟.
لا شكّ من الناحية القانونية، أنّه يحقّ للنيابة العامة الاستئنافية تقديم أيّ استئناف تراه مناسباً من وجهة نظرها على أن يكون متطابقاً مع الشروط التي يفرضها القانون ولا سيّما قانون أصول المحاكمات المدنية كي تقبل به محكمة الاستئناف وإلاّ فإنها مضطرة إلى ردّه بالشكل.
وفي ما يتعلّق بالحكم المنوه عنه، فإنّ أيّ طلب استئناف يقدم مردود في الشكل ولا حاجة لبحثه في الأساس فكيف ذلك؟.
إنّ المادة التاسعة من قانون أصول المحاكمات المدنية تتحدث بشكل واضح عن وجوب توافر الصفة والمصلحة للمستأنف، والنيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان مستوفية للصفة المنبثقة عن سلطتها لإقامة الدعوى، لكنّها غير مستوفية لشرط المصلحة والغاية المطلوبة من الدعوى، بالإضافة إلى الأهلية، لأنّه جرى العمل برأيها في متن الحكم ولم تخالفه المحكمة على الإطلاق، وإذا كانت النيابة قد تخلّت عن واجبها وتركت للمحكمة أمر التقدير فأين هي المصلحة في معاكسة قرار وافقت عليه مسبقاً فترك التقدير يعني الموافقة وهو موقف إيجابي وليس سلبياً، وإلاّ لكانت، ومنذ البدء قد اختصرت الطريق وأعلنت رفضها منح أولاد المواطنة اللبنانية المتزوجة من اجنبي جنسيتها اللبنانية.
ولتقريب الصورة أكثر، فإذا أرسل قاضي التحقيق للنائب العام الاستئنافي طلباً بإخلاء سبيل مدعى عليه موقوف، طالباً رأيه، وترك النائب العام الأمر لتقدير قاضي التحقيق الذي يعمد إلى كتابة عبارة : «نحن نقرّر وفقاً لرأي النيابة العامة»، فليس من الضروري أن تتمّ إعادة الملفّ إلى النيابة العامة للنظر فيه مجدّداً طالما أنّه جرى العمل برأيها، وقاضي التحقيق التزم برأيها وبموافقتها المسبقة، ولم يعد من الجائز قيام النيابة العامة باستئناف قرار قاضي التحقيق أمام الهيئة الاتهامية ما دام أنّه لم يخالف رأيها.
وهذا ما حصل مع محكمة البداية في جديدة المتن برئاسة القاضي القزي التي أشارت إلى موافقة النيابة الصريحة عبر تركها البتّ بأمر الدعوى لتقديرها «لتكون تركت لوقائع الملفّ المسندة أن تبرر الحكم متجاوزة النقص في النصّ أو الغموض فيه، نافية وجود أيّ مانع يحول دونه وهي التي تمثّل الحقّ العام وتتدخل لحماية مصالحه كلّما تعرّضت للخطر تفعيلاً لأحكام المادة 8 من قانون الأصول المدنية» كما ورد حرفياً في الصفحة السادسة من الحكم الشهير.
وتأسيساً على ما تقدّم، فإنّ استئناف النيابة العامة للحكم مردود في الشكل، وهو يأتي في إطار المماطلة والتسويف وتأخير تنفيذ الحكم بعدما سبق لوزير الداخلية والبلديات زياد بارود أن أعلن عبر «السفير» (24 حزيران 2009) أنّه لن يطعن بهذا الحكم باعتبار أنّه الجهة الصالحة لذلك عبر هيئة القضايا في وزارة العدل، لأنّ حكم الجنسية يدخل في صلب مهام وزارة الداخلية وليس وزارة العدل كما توهّم بعض السياسيين.
ومهما اشتدت العراقيل وكثرت، فإنّ حكم القزي في طريقه إلى النهاية السعيدة، ولو طالت بعض الوقت.
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
31 | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 |
7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 |
14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 |
21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 |
28 | 29 | 30 | 1 | 2 | 3 | 4 |