تجارب عربية عن واقع تاء التأنيث والمرتجى
ونماذج من الجزائر وفلسطين "ملطخة" بالحبر والدم
تشير خلاصة اوراق العمل التي قدمها بعض الاعلاميات من 14 بلداً عربيا في المؤتمر السابع للاعلاميات العربيات في العاصمة الاردنية عمان، الى ان واقع الاعلامية العربية وفرص تقدمها في مهنة المتاعب يرتبطان بعوامل عدة، منها تقيد المرأة بالعادات القبلية والعشائرية التي تكبل اي فرص لتقدمها في الحياة العامة عموما والمهنية خصوصا، وتخوفها من السلطة الدينية ومضمون الكتب السماوية ومفهوم الخطيئة وعقاب نار جهنم، مما يجعلها تبتعد عن مقاربة بعض المواضيع الساخنة في عملها الصحافي.
فقد ابدى بعض الاعلاميات خشية من مقاربة موضوعات عدة خوفا من المساس بالدين معظمهن مثلا عن اثارة موضوع تعدد الزوجات وانواع الزيجات "المحللة" للرجل الشرقي، وجرائم الشرف وما شابه.
العوائق المشار اليها اعلاه ليست حكرا على النساء فحسب، بل قد تكون متشابهة من حيث اعاقة تطور حياة الرجل في المجتمعات المتوقعة.
وفي ضوء ذلك كيف يمكن المشاركات في المؤتمر مقاربة دور الاعلامية العربية في تعزيز الثقافة الوطنية؟
قبل عرض مضامين اوراق العمل، لا بد من الاشارة الى ان المؤتمر يدخل ضمن نشاطات مهرجان الاردن، وقد استمرت جلساته ثلاثة ايام في المركز الثقافي الملكي في عمان برعاية الاميرة بسمة بنت طلال ممثلة بوزير الثقافة صبري ربيحات، ونظمه كل من مركز الاعلاميات العربيات ووزارة الثقافة الاردنية بدعم من منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "الاونيسكو"، وشاركت فيه اعلاميات من 14 بلدا هي: لبنان، مصر، السودان، سوريا، سلطنة عمان، تونس، الجزائر، البحرين، الامارات، ليبيا، السعودية، اليمن، فلسطين، والاردن.
واشارت الانطباعات العامة عن المؤتمر ان رئيسة مركز الاعلاميات العربيات محاسن الامام حاولت من خلال تنظيمها هذا المؤتمر ان تطرح عاليا موضوعات تفعل الحوار بين الاعلاميات وتمهد لمنهجية اعلامية تقوم على آلية عمل مشتركة لمستقبل اعلامي افضل، يبدو انه لن يبصر النور بسهولة في ظل الانظمة العربية القائمة.
وعودة الى اوراق العمل، قدمت بعض الاعلاميات عروضا هادئة لا تعترضها اي معوقات عن دور الاعلامية في تعزيز الثقافة الوطنية في كل من الامارات وسلطنة عمان والاردن والمغرب ومصر وتونس. وكان لافتاً في هذا السياق تشديد الورقة الليبية على نقاط جديدة في الثقافة العربية العامة ولا سيما شرحها مظاهر التغيير التي شهدتها ليبيا بعد قيام "ثورة الفاتح العظيمة"، كما وصفتها، في ايلول 1969 "التي ساهمت في انتشار التعليم واقتحام المرأة ابواب الجامعات وانتشار الاعلام وتطور الحركة الثقافية الليبية". اما ورقة هدى الدغفق من السعودية واشواق بو علي من البحرين فلاحظت تقدما "خجولاً" في تفعيل دور المرأة يحتاج الى دعم ومتابعة من النساء ومن المجتمع الذكوري.
تجارب اخرى في ورقة سعاد جروس من سوريا عن كيف نجحت بعض الاعلاميات في وقف مشروع هدم باب توما الاثري وهو أحد ابواب دمشق القديمة. اما ورقة لبنان فقدمتها الزميلة مايدة ابو جودة التي ركزت على ثلاث نقاط: "اولا، تطوير مضمون البرامج التلفزيونية والاذاعية والمقالات الصحافية. ثانيا، دور الاعلامية في التطوير الذاتي للانفتاح على الآخر والمحافظة على ارثها الثقافي. ثالثا التواصل المستمر بين الاعلاميات العربيات وتنظيم نشاطات تتم تغطيتها اعلاميا". وتمنت "ان نستفيد من مواقعنا الاعلامية لتوجيه البحث والاعداد نحو مضمون ثقافي وتراثي نواجه من خلاله البرامج المعلبة والافكار المصطنعة التي تحتل حيزاً واسعاً من المساحة الاعلامية". ولفتت الى "ضرورة التوجه الى الارشاد والتوعية في موادنا الاعلامية بطريقة غير مباشرة لايصال الرسالة المرغوب فيها وتطوير انتاج البرامج التلفزيونية والاذاعية بالعمل على فقرات سريعة وغنية بالمعلومات تجذب المشاهد او المستمع". وعن دور الاعلامية في التطوير الذاتي للانفتاح على الآخر والمحافظة على الارث الثقافي، قالت ان "علينا تغيير نظرتنا الى انفسنا كي تتغير نظرة الرجل الينا"، داعية الى "الاطلاع على موضوعات تعنى بالاختلاف بين الرجل والمرأة في طريقة التعبير والتفكير واستعماله كنقطة قوة لتفرض الاعلامية نفسها بكامل انوثتها وتوصل رسالتها".
بين الشهادة وراوح مكانك
وابرزت اوراق عمل اعلاميات من الجزائر واليمن وفلسطين صعوبات عدة تعوق دور الاعلامية في تعزيز الثقافة الوطنية. فنوال مسيخ من الجزائر ركزت على الاغتيالات التي طاولت بعض الاعلاميات، وقالت: "اذا كان حمل صفة صحافي يعني استهدافه من جماعات الموت، فان هذه التصفيات كانت عادة ابشع حين يحمل ممارس مهنة الصحافة تاء التأنيث ويزداد حقد الارهابيين اذا كانت الصحافية غير محجبة". واضافت: "في العشرية الحمراء كانت الجماعات الاسلامية المسلحة تفرض على النساء ارتداء الحجاب، الا ان هذه الصحافية، وعلى رغم كوابيس المنام واليقظة، لم تتخل عن القلم ولم تستسلم. واكدت: "لا ينسى الجزائريون الضريبة التي قدمت ثمنا باهظاً للاستمرار في مهنة كانت صعبة على الرجال، ولا ينسى الصحافيون الجزائريون والصحافيات الجزائريات ضحايا الارهاب ومنهن الصحافية في التلفزيون الجزائري حمادي رشيدة وشقيقتها اللتان قتلتا في 20 آذار 1999، والصحافية في جريدة "الشروق" مليكة صابور التي اغتيلت في 21 ايار 1995، والصحافية نعيمة حمودة التي كانت تكتب في جريدة "الثورة" الافريقية الناطقة الفرنسية والتي خطفت وذبحت في آب 1995...".
ورقة عبير كيلاني من فلسطين شددت على واقع صعب يعيشه الاعلاميون والاعلاميات في ظل احتلال اسرائيلي يبطش بكل شيء ونزاع داخلي بين "حماس" و"فتح" يثبط عزيمة الفلسطينيين عموماً والاعلاميين خصوصاً. وقدمت صورة لا تبشر بالخير في ظل التقلبات القائمة والتي لا تساهم في تعزيز الثقافة الوطنية وتهدد الكيان الفلسطيني من الداخل بفعل المفاجآت التي تطلع بها اسرائيل على الشعب الفلسطيني.
وعرضت احلام سلام من اليمن دور الاعلام والمواطنة "اليمن نموذجا" وقالت: "في ايار 1990 افسح في المجال لايجاد كيانات شعبية يفترض فيها ان تكون رديفة للمؤسسات الرسمية من حيث القيام بمهمات تتعلق ببعث الشعور الوطني". واضافت: "بعض هذه الكيانات، وللأسف، ومنها ما عرف بمنتديات ومنظمات خاصة بالصحافيات اليمنيات ونتيجة ارتباطها المباشر بجهات خارجية، نرى انها فشلت في اداء دورها". وعزت هذا الفشل "الى تعامل هذه الجهات الداعمة مع مؤسسات هشة لا تقوى على الحركة". واعلنت ان عدد الصحافيات العاملات في وسائل الاعلام الرسمية بلغ اكثر من 400 صحافية بينهن 150 يعملن في صحف حزبية. واكدت "اننا لم نجد صحافية واحدة استطاعت الوصول الى مركز القرار في المؤسسة التي تعمل فيها".
الاردن – روزيت فاضل