ربيعة قدير صوت الأويغور في العالم من الفقر إلى كنف النظام ثم السجن والمنفى

في سيرتها الذاتية الكثير من لحظات التأرجح صعوداً وهبوطاً، فمن قعر العوز إلى قمة الثراء، ومن مجد النجاح والسلطة إلى قسوة السجن والعزل، ومن الدلال في كنف النظام إلى النبذ والمنفى. وليس في حياتها السياسية ما يشبه ماضي النساء اللواتي يتعاطين الشأن العام في البلدان الآسيوية حاملات لواء قضية تنتقل شعلتها إليهن من أب أو زوج، على غرار الميانمارية أونغ سان سو تشي، أو الباكستانية بنازير بوتو والإيرانية مريم رجوي، وهي مسلمة مثلهما. ذلك أنها لم ترث دوراً بل صنعته بنفسها ولنفسها.
إنها ربيعة قدير زعيمة الأويغور المسلمين في إقليم سيكيانغ الصيني والعالم.
تقف تلك المرأة النحيلة التي تزوجت مرتين وأنجبت 11 ابناً وابنة، ترتدي بذلة فاتحة أو زياً تقليدياً تاركة ضفيرتيها الطويلتين تنسدلان على كتفيها، تخطب بثقة. تتكلم بالأويغورية، وإن تكن تعلمت بعض الإنكليزية. وحين تتعب، تجلس على حافة الرصيف تتناول قطعة من البيتزا، كما فعلت قبل أيام في تظاهرة قبالة السفارة الصينية في واشنطن.

من هي؟
ولدت قدير لمزارعين فقيرين في 21 كانون الثاني 1947 في شرق تركستان، كما تسمي إقليم سيكيانغ، على طريق الحرير القديم، وبين الأويغور الذين يحلو لها التأكيد أنهم استوطنوا منذ أكثر من ستة آلاف سنة تلك الأرض الاستراتيجية بموقعها وثرواتها. فإلى شمال سيكيانغ، أكبر الأقاليم الصينية والذي يمتد على سدس مساحة البلاد، تقع قازاقستان، وفي الشمال الغربي منغوليا، ثم قيرغيزستان وطاجيكستان في الشمال الغربي والغرب. وفي الغرب والجنوب الغربي أفغانستان وباكستان، وفي الجنوب إقليم التيبت والهند. أما باقي الصين فيمتد في الشرق. وإلى الصحارى الشاسعة والجبال الشاهقة والغابات والأنهر والينابيع، يحضن الإقليم احتياطات كبيرة من النفظ والغاز، وهو المكان المفضل لاجراء التجارب النووية للبلاد. وفيه تبني السلطات الصينية خطاً للأنابيب لوصل النفط والغاز في آسيا الوسطى بميناء غوادار الباكستاني.
وفي كتاب "مقاتلة التنين" الذي صدر بالألمانية عام 2007 وترجم إلى الإنكليزية في أيار 2009 ووضع مقدمته الدالاي لاما، تروي قدير فصول حياتها. كانت طفلة بالكاد تلقت أي تعليم حين اضطرت إلى مغادرة قريتها في أقصى شمال سيكيانغ. وفي الخامسة عشرة، وجدت نفسها زوجة لعبدالرحيم الذي يكبرها بـ13 سنة. وسرعان ما صارت أماً لخمسة أولاد. بدأت من الصفر، تغسل الملابس في مقابل أجر. وبعد انفصالها عن زوجها الذي كان يسيء معاملتها، قررت استثمار الأموال القليلة التي ادخرتها، فاختارت ما تعرفه وتجيده، مصبغة لغسل الملابس أنشأتها عام 1987.
ومع الوقت، وفي ظل الإصلاحات الاقتصادية، تطورت أعمالها فامتلكت متجراً في اورومتشي، عاصمة سيكيانغ. ثم أقامت امبراطورية تجارية تحمل اسم "عقيدة هولدينغ" تشمل سلسلة متاجر كبرى وعقارات ومصانع جعلتها المرأة الأكثر ثراء في الصين.
واسترعى نجاحها انتباه الحزب الشيوعي، فضمها عام 1992 إلى مؤتمر الشعب الوطني. وكانت أحد أعضاء الوفد الرسمي الى مؤتمر الأمم المتحدة الرابع عن النساء الذي استضافته بيجينغ عام 1995.
وبالتزامن مع مسيرتها المهنية، لم تكمل قدير حياتها بلا رجل، فكان زواجها الثاني بصدِيق روزي وهو من أشد منتقدي النظام الصيني الذي سجنه أكثر من عشر سنين قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1996. وقد روى لصحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية في تحقيق نشرته قبل أيام أنهما التقيا منتصف السبعينات من القرن الماضي بعد استعادته حريته. ولا يزال يذكر أنها قالت: "سأتزوج الرجل الذي يحب أمته". ويضيف: "في تقاليدنا الرجل هو من يبادر إلى التحدث مع المرأة. لكن هذه المرة كان الأمر مختلفاً. هي التي بادرت وجاهرت بالقول: سأقترن بك".

السجن ثم المنفى
وفي ذروة نجاحها، ظنت قدير أن في وسعها استغلال وضعها في السلطة لطرح قضية الأويغور. تحدثت عن الهجرة الجماعية لاتنية الهان التي ينتمي إليها معظم الصينيين إلى سيكيانغ لتغيير الواقع الديموغرافي. فبعدما كان الأويغور 75 إلى 90 في المئة من سكانه عام 1949، تشير التقديرات إلى أنهم صاروا 45 في المئة عام 2009.
وبعد قمع تظاهرة في مدينة غوليا في شباط 1997، شددت قدير انتقاداتها للنظام. وجاء الرد سريعاً. "عطلت السلطات أعمالي وصادرت جواز سفري"، وجُردت من أي صفة رسمية.
وفي 11 آب 1999، اعتقلت وهي في طريقها للقاء وفد من الكونغرس الأميركي. التهمة؟ إفشاء أسرار للدولة بإرسال قصاصات من الصحف إلى زوجها. ودينت في 10 آذار 2000 بـ"تعريض أمن البلاد للخطر".
وفي ما يعتقد أنه صفقة مع واشنطن، أُطلقت في 17 آذار 2005 ووصلت إلى الولايات المتحدة بعد يومين. واستقبلها زوجها ملوحاً بالعلم الأميركي وعلم شرق تركستان، وهو يشبه العلم التركي ذي النجمة والهلال، لكن خلفيته زرقاء وليست حمراء، للدلالة على الجذور التركية للأويغور الذين اعتنقوا الإسلام عام 934 للميلاد.
وفي مقابلة مع مجلة "نيوزويك" الأميركية نشرت الأسبوع الماضي، روت قدير أنها عانت التعذيب النفسي لا الجسدي إذ أُرغمت على مشاهدة الضرب الوحشي لرجال ونساء.
وقد يكون التعرض لأبنائها من صنوف التعذيب النفسي الذي طاردها حتى وهي في الولايات المتحدة. وعن ذلك كتبت للطبعة الآسيوية من صحيفة "وول ستريت جورنال" في حزيران 2006: "كانت اللحظة الأكثر إثارة للحزن في حياتي، أسوأ من سجني ست سنوات في الصين بتهم ملفقة... استمعت بيأس عبر الهاتف إلى ابنتي تصرخ عن جانب طريق في شمال غرب الصين حيث تعرض أحد أنجالي لضرب مبرح كاد يودي بحياته... اعتدت الشرطة بقسوة على اثنين من أبنائي... اتُهم عبليكيم وعليم بالتآمر لتقسيم الدولة وبالتهرب الضريبي". ولا يزالان في السجن.

حلم الدولة المستحيلة
وفي حين يتابع العالم الأحداث المستمرة منذ نحو عشرة أيام في سيكيانغ حيث سقط قتلى من الأويغور والهان، تتجه أصابع الاتهام الرسمية إلى قدير بالتحريض على العنف. ذلك أنها حالياً رئيسة "رابطة الأويغور الأميركيين" و"المؤتمر العالمي للأويغور"، وقد تلقى كلاهما العام الماضي 550 ألف دولار من هيئة يمولها الكونغرس الأميركي.
غير أن زعيمة الأويغور التي رشحت لجائزة نوبل للسلام عام 2006، إذ تؤكد تبنيها النهج السلمي، تعيد الأزمة إلى جذورها التاريخية. فقد قالت في 12 تموز في مقابلة مع الطبعة الالكترونية لـ"كريستشن ساينس مونيتور" إن الاسم التاريخي للإقليم هو شرق تركستان، بينما سيكيانغ تسمية صينية تعني "الأراضي الجديدة". والواقع ان "جمهورية شرق تركستان" الأولى عاشت تسعة أشهر عام 1933، ودامت الثانية خمس سنوات بين 1944 و1949. وكان الزعيم الصيني ماو تسي تونغ يعتزم في آب من ذلك العام لقاء سبعة من الزعماء الأويغور. غير أن طائرتهم تحطمت في حادث مريب. ويعتقد الأويغور أنهم كانوا سيطلبون حكماً ذاتياً واسعاً أو حتى استقلالاً. وتقول قدير: "في حينه صرنا جزءاً من الصين"، مع العلم ان الهان يروون أن الاجتماع كان شكلياً وأن سيكيانغ صينية منذ الأزل.
كذلك ترى أن ما يميز "معاناة" الأويغور عن أهل التيبت أن السلطات الصينية استخدمت هجمات 11 أيلول 2001 ذريعة "لوصمنا بالإرهاب والتطرف الديني". ومعلوم أن بين المعتقلين في قاعدة غوانتانامو أويغور، كما أوقف مقاتلون منهم في المناطق القبلية بباكستان على الحدود مع أفغانستان.
وفي حين لاحظت "الواشنطن بوست" في التحقيق المشار اليه آنفاً أن قدير تراوغ حين يتعلق الأمر بإجابة صريحة عن سؤال يتعلق بالاستقلال، فإن الأخيرة قالت لـ"كريستشن ساينس مونيتور" أن "كل فرد من الأويغور يريد الاستقلال". لكنها في مقابلة تعود إلى عام 2006 قدمت تصوراً لا لبس فيه، "إذا استقلت شرق تركستان، فإنها ستكون مثل قازاقستان وقيرغيزستان وليس مثل باكستان أو السعودية. يمكنكم رؤية قلة من النساء يضعن الحجاب. الأويغور علمانيون وكثيرون منهم لا يريدون دولة دينية".
على أن ذلك الاستقلال يستحيل أن يبصر النور في ظل النظام الصيني الحالي. كما لا يبدو قيام تلك الدولة ممكناً لاعتبارات عرقية وجيوسياسية، تماماً مثل ما يعوق نشوء دولة كردية. فالأويغور موجودون خارج سيكيانغ في قازاقستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، وبنسب أقل في منغوليا وباكستان وأفغانستان وروسيا، وحتى في إقليم هونان بجنوب شرق الصين. وفي سيكيانغ أقليات مسلمة أخرى من القازاق والتتر والأوزبك والطاجيك واتنية الهوي المتحدرة من العرب الوافدين مع الفتح الإسلامي.
إذاً ألا تستسلم قدير؟ تقول إنها صرخة الأويغور ودمعتهم. والحرية هي الثروة الحقيقية لا المئة مليون يوان التي امتلكتها يوماً.

سوسن أبو ظهر