حذّر النائب بطرس حرب من ان "إلغاء عقوبة الإعدام في لبنان سيؤدي إلى إحياء العدالة الثأرية التي تتناقض والتطور الواجب تحقيقه في المجتمعات التي توكل القضاء أمر معاقبة المجرمين". وقال: "إذا كان القصد من الإلغاء منح الجاني فرصة الندم وإعادة التأهيل، فالثابت أن سجوننا في لبنان ليست مراكز لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، إنما تشكل جامعات متخصصة بتخريج المجرمين وتعريفهم إلى وسائل حديثة للإجرام".
كلام حرب جاء في مداخلة القاها في مؤتمر في مدريد عن "بدائل عن عقوبة الإعدام والخفض التدريجي للحالات التي تطاولها". وقال فيها ان "موضوع الإعدام في لبنان لم يحسم بعد، والرأي منقسم حوله. وأستطيع التأكيد أن غالبية شعبنا لا تزال ضد إلغاء هذه العقوبة. وعندما أقول شعبنا، أعني أيضاً المسؤولين، بمن فيهم أعضاء السلطات الاشتراعية والتنفيذية والقضائية".
وعرض واقع الاشتراع اللبناني في ما يتعلق بعقوبة الإعدام، باحثا في "الدينامية الاحتمالية للبرلمان اللبناني في التعامل معها". واشار الى "تنفيذ أكبر عدد من أحكام الإعدام منذ عام 1994"، معتبرا ان "هذه العقوبة لم تتأثر إلا اخيرا بالجدل الفكري والفلسفي الدائر حول وجوب إلغائها. ولبنان يشهد ميلاً واضحاً الى تكريس هذه العقوبة وزيادة الحالات التي تنزل فيها في ظروف محددة تنطلق من نظرية ردع المجرمين عبر عقوبة مخيفة كالإعدام".
وقال إن "القانون اللبناني لا يزال يعتمد النظرية الفلسفية والاجتماعية الداعمة لعقوبة الإعدام، على رغم بروز بعض المواقف المطالبة بإلغائها"، مسجلا "تضاؤل التأثير الأيديولوجي والفلسفي على المسيرة الاشتراعية، حتى على الفكر الجماعي للبنانيين الذين لا يزال السواد الأعظم منهم يعتبر ان طرح فكرة إلغاء عقوبة الإعدام خطيئة غير مبررة أو مقبولة".
وقال: "الحالة السائدة في الأوساط السياسية لا تزال بعيدة عن التفاعل الإيجابي مع الجدل الفكري الجاري حول عقوبة الإعدام. والسلطة التنفيذية عموما لا تزال متشبثة عقائدياً بجدوى عقوبة الإعدام والحاجة إليها لضبط الأمن في المجتمع. وبسبب ذلك، تلجأ دوماً إلى المطالبة بتشديد العقوبات والتمادي في فرض عقوبة الإعدام، بصرف النظر عن نية القاتل أو ظروف الجريمة... باستثناء بعض المسؤولين الذين رفضوا توقيع مرسوم الإعدام في بعض الحالات أو طرحوا إلغاء العقوبة".
ورأى ان "السلطة الاشتراعية لم تبلغ حدّ فتح ملف العقوبة القصوى من الناحية الفلسفية، بل اكتفت، بكل أسف، باتباع سياسة ترك أمر تحديد العقوبات في الظروف الاستثنائية للسلطة التنفيذية، فلم تمانع يوماً في تشديد العقوبات المقترح من الحكومة، بل جارتها في موقفها وتوجهها".
ولاحظ أن "موضوع إلغاء عقوبة الإعدام لم ينضج بعد في لبنان، وأن دون تحقيقه صعوبات عدة منطلقها عقائدي واجتماعي وسياسي". وقال إن "القواعد التي يقوم عليها مجتمعنا، والتي تجد منطلقها في مفهوم سلامة المجتمع والديانات السموية، تجمع على جواز إنزال عقوبة الإعدام بمن أصبح وجودهم مهدداً لسلامة المجتمع... ولا يزال المجتمع اللبناني متأثراً بالعائلة والعشائرية وبروح التضامن الاجتماعي ومقوماته، كنصرة النسيب والثأر له عندما يتعرض للأذى".
ولفت الى ان "المجتمع اللبناني صغير وضيّق، وان حدثاً كجريمة قتل يهزّه بكامله، نظرا الى تداخل مصالح الناس ومعرفتهم بعضهم ببعض وقربهم بعضهم من بعض. من هنا التأثير على فكرة العفو عن قاتل، ورد فعل أهل القتيل على هذا العفو والمعفى عنه أو عائلته، الى درجة دفعت إلى القول إن إلغاء عقوبة الإعدام ستشجع بعضهم على العودة إلى ممارسة عمليات الثأر الشخصية".
وقال: "من هذا المنطلق المليء بالتناقضات، أرى أن إلغاء عقوبة الإعدام لا يزال أسير هذا الجدل العقائدي وهذه المعطيات الإجتماعية الخاصة بلبنان. غير أن هذا الواقع يجب ألا يقعدنا عن تلمّس حقيقة التطور الحاصل في العالم وتأثيره على الواقع اللبناني، عاجلاً أم آجلاً".
وخلص الى جملة نتائج "في ضوء درسنا واقع المجتمع اللبناني مثلا" وتقاليده وتراثه ومدى تطوره وأوضاع السجون فيه ومفهوم العقوبة لدى سلطاته". وقال: "على رغم رفضي لعقوبة الإعدام بحق إنسان ارتكب جنايات موصوفة، وعلى رغم ميلي إلى تبني نظرية المطالبين بإلغاء هذه العقوبة، لا أجاري طالبي إلغائها الفوري لاعتبارات متعددة مرتبطة بواقع المجتمع ومدى تقبله هذا التغيير. لا يزال مجتمعنا خاضعاً لروح الثأر في معرض الرد على الجرائم...".
واعتبر أن "تعامل السلطة مع السجون كمركز لتجميع من يشكلون خطراً على المجتمع ومكانا للثأر من المجرمين لا يسمح بالرهان على إمكان العناية بإنسانية المسجون، أو احترام حقوقه كانسان، بدليل حادثة إقدام أحد المسؤولين في سجن روميه المركزي على إشعال النار بالأعضاء التناسلية لأحد الموقوفين بتهمة الإعتداء على قاصر".
ورأى ان "وضع المجتمع اللبناني لا يسمح بتعديل مفهوم العقوبة من قصاص واقتصاص إلى عملية إصلاح تربوية واجتماعية مبرمجة في اطار مخطط علمي صحيح يتعاون فيه رجال الاختصاص من تربويين وعلماء نفس واجتماع". وقال: "في انتظار تحقيق ذلك وانتقال مجتمعنا إلى حالة متقدمة حضارية تتقدم فيه قيمة الإنسان على كل القيم الأخرى، لا أرى بدّاً من إبقاء عقوبة الإعدام في الجرائم الموصوفة، على أن تطبق في شكل حصري وتخضع للسلطة الاستنسابية للمحاكم التي يعود اليها حق تقدير العقوبة وحجمها".
واذ دعا الى "إعادة النظر في أوضاع السجون والمسجونين وتأهيل السجون، بحيث يعامل فيها المحكومون والموقوفون معاملة إنسانية تليق بالإنسان، بصرف النظر عن سلوكيته وجرمه"، شدد على "ضرورة الاستمرار في العمل على تعديل مفهوم هذه العقوبة وتطوير النظرة الاجتماعية اليها، وإن تدريجاً، نظرا الى خضوع السلطة الاشتراعية في لبنان للتأثيرات الاجتماعية في موقفها من هذه العقوبة".
ونبه الى ان "التسرّع في طرح الموضوع سيؤدي حتماً، في ظل المعطيات السائدة، إلى الفشل الذريع والمؤذي... ولن تتوافر دينامية التغيير إلاّ بالتدريج، ومن خلال حملة ضاغطة مستمرة من كل الجمعيات الأهلية والإنسانية، اللبنانية والدولية. والطريق نحو تحقيق الهدف طويلة وصعبة، إلاّ أن اتباع سياسة المراحل قد تساعد في هذا الاتجاه"
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
31 | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 |
7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 |
14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 |
21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 |
28 | 29 | 30 | 1 | 2 | 3 | 4 |