المرأة لم تستطع ان تردم حدة الخلافات التي يشهدها الوسط السياسي اللبناني الحل في اعتماد مبدأ "الكوتا" لضمان مشاركتها في القرار

مواكبة لمرحلة تشكيل الحكومة، انتظمت ناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة وتعزيزها في تحرك مطلبي في اتجاه المسؤولين السياسيين ورؤساء الكتل والرئيس المكلف لحثهم على تبني توزير نساء من ضمن "كوتا" وزارية تعكس حسن نية تجاه المرأة اللبنانية، التي لم تتمكن الى اليوم من خرق "كوتا" النظام الطائفي ولم تنصفها التعديلات التي طرأت على قانون الانتخابات النيابية.
فمع كل جلسة لمناقشة التعديلات على قانون الانتخابات، في مرحلة ما قبل اقراره، كانت الجمعيات العاملة في مجال تعزيز حقوق المرأة تعتصم وتتحرك في اتجاه الضغط لأقرار مبدأ اعتماد "الكوتا" في قانون الانتخاب، الا ان الرياح لم تجر كما تمنت. عاد قانون ال 60 معدلا، مجملا باضافات ضرورية، وحتى اكثر الكتل والنواب الذين يدعمون تعزيز مبدأ المواطنية لم يصوتوا على اقرار "الكوتا".
لقد شهد مبدأ اعتماد "الكوتا" سجالا في الاعوام الماضية حتى بين الناشطات في العمل المدني، اذ منهن من كان يبرر "الكوتا" بانها تمييز ايجابي، ومنهن من كان يعارضها وينتقدها على اساس انها تتنافى مع مفهوم المساواة. ولكن اليوم اصبح، حتى من كان في المبدأ ضد "الكوتا"، يرى فيها المخرج الوحيد لتعزيز دور المرأة في الحياة الساسية. عوامل كثيرة أدت الى ازدياد الاقتناع بضرورة اعتماد "الكوتا"، اذ رويدا رويدا، ومع حدة الازمات السياسية التي يشهدها البلد أخذت حظوظ المرأة تتراجع في اختراق النظام السياسي السائد القائم اصلا على مبدأ "الكوتا" الطائفية.

تراجع نسبة الترشيح
رغم ان المرأة اللبنانية حظيت بنصيبها من الدعوات للاقتراع لمصلحة جميع الافرقاء وكانت نجمة الاعلانات ونجمة مراكز الاقتراع حيث اقترعت بمعدل لا يقل عن معدل الرجال لا بل يتعداه في بعض الدوائر، الا انه من الملاحظ عاما بعد عام عزوف النساء عن الترشح وتضاءل عددهن في المجلس.
وقد استرعى تدني نسبة الترشح لدى النساء المراقبين المحليين والدوليين. وأشار تقرير "مركز كارتر" الى ان قانون العام 2008 لم يشتمل على اي أحكام تعزز مشاركة المرأة أو تعالج قضايا النوع الاجتماعي. ويبقى عدد المرشحات 12 من أصل 587 مرشحاً لانتخابات 2009، وهنّ يمثلن %2 فقط من المرشحين المسجلين رسمياً وهذا الرقم مخيب للأمل. يذكر ان نسبة مشاركة النساء في الترشح للإنتخابات النيابية تراجعت من 34 إمرأة في انتخابات عام 2000 إلى 14 إمرأة فقط في دورة العام 2005، وصولاً إلى 12 إمرأة في انتخابات الـ 2009.
وفي التقرير عينه أثنى "مركز كارتر" على بعض الخطوات التي اتخذتها وزارة الداخلية والبلديات "من أجل التأكيد أن المراة تلعب دوراً كبيراً في الأوجه الأخرى من انتخابات عام 2009 بالمقارنة مع الانتخابات السابقة. فللمرة الاولى في تاريخ انتخابات لبنان تشارك المرأة في إدارة الانتخابات بترؤسها اقلام اقتراع. وقد تمّ تعيين حوالى 2000 امرأة أي 15 إلى 20% العاملين الـ11200 في أقلام الاقتراع".
كذلك أشار تقرير سيصدر عن جمعية "مهارات" حول تغطية الاعلام للانتخابات الى ان "الواقع السياسي والاعلامي يبدو مقفلا امام الطاقات الجديدة من نساء ومستقلين التي تحاول دخول المعترك السياسي، وقد عجزت هذه الفئة عن اثبات وجودها في ظل الاستقطاب الثنائي بين الموالاة والمعارضة وعجزها عن لفت انتباه وسائل الاعلام، الامر الذي يتطلب اعادة نظر في قانون الانتخاب كي يسمح بتجدد النخب السياسية بشكل افضل. كما لا بد من دراسة وسيلة تضمن مساواة المرشحين في وسائل الاعلام كي يفسح في المجال للطاقات الجديدة بالتعبير عن ذاتها".

شعراني: النساء، الثلث الوازن
لمواجهة واقع عدم تكريس دور المرأة في البرلمان الجديد، بدأت مجموعة من المناضلات عن حقوق المرأة من جمعيات نسائية بأطلاق حملة "لوبيينغ" لدى السلطات المعنية لحثها على تبني توزير المرأة في الحكومة المقبلة من ضمن كوتا معينة. تقول الدكتور أمان شعراني: "حملتنا تنادي بتوزير النساء بنسبة 30 في المئة وذلك لتخفيف نقمة النساء المهمشات، علما انهن يتخرجن من الجامعات بنسبة اكبر من الرجال ورغم ذلك لا تزال قدرتهن الاقتصادية لا تتعدى الـ 30 في المئة. لان هناك تمييزا يمارس بحقهن ليس فقط من غير المتعلمين انما من المتعلمين انفسهم".
وتتابع: "لقد أصغى الينا المسؤولون اثناء الزيارات واعترفوا لنا بهذا الحق، الا ان قسما منهم اشار الى صعوبات كبيرة لا يمكن تذليلها حاليا ويفضلون ان يبدأ التغيير من قانون الانتخاب نفسه. واليوم نحن نطالب ان يكون للنساء "الثلث الوازن" لانهن قادرات على ارساء التوازن بين الجميع وتقريب وجهات النظر". ويبقى ان اهمية الحملة المناصرة التي اطلقها المجلس النسائي اللبناني انها تتحرك من أجل السعي في اتجاه الحكومة لاعتماد نوع من "الكوتا" يدل على حسن نية من قبل السلطات الذكورية عبر قبولها بتوزير المرأة او تعيينها في مناصب عليا مما يمكنها من تقديم صورة ايجابية.

مرعي: الطوائف
يمثلها الذكور
ولكن ما الاسباب التي لم تسمح الى اليوم في تفعيل مشاركة المرأة السياسية؟ في هذا الصدد تشرح جومانا مرعي من"تجمع النساء الديموقراطيات"، انه منذ 1996 "تعمل الحركة النسائية على تفعيل دور المرأة في المشاركة السياسية، غير ان هذا المسعى لم يكلل بالنجاح لاصطدامه بالطوائف التي يمثلها حصرا الرجال دون النساء". وهنا السؤال يطرح نفسه: اليست المرأة ايضا هي بنت هذه الطوائف؟ّ
وتتابع: "علينا ان نقرأ المسألة من منظور الازمة السياسية التي يعيشها البلد والانقسام الطائفي والاهلي، اضافة الى ان قانون الستين قوىّ موقع المحاصصة الطائفية. ان عدم اقرار "الكوتا" يجعل من معركة النساء شبه مستحيلة اذ ان النساء غير قادرات على مواجهة الازمة السياسية الحادة التي يمر بها البلد. نحن كنا نأمل في أقرار قانون اصلاحي يتيح الفرصة للقوى الديموقراطية العلمانية للوصول الى مجلس النواب".

شرف الدين: المرأة غير قادرة على الاختراق
هكذا كلما ازدادت الحاجة الى القوة وتعالت وتيرة الصراع كلما اصبح اللجوء الى الذكر اقوى، هذا ما تؤكده الدكتورة فهمية شرف الدين. وتشير الى أن مجتمعنا الأبوي يعتبر ممارسة القوة قائمة على ممارسة الرجال. وهكذا تزداد نسبة الذكورية في كل مرة تتقوقع فيها الطوائف على بعضها ويزداد التنافس على اظهار القوة، ولا يمكن ان تكون المرأة مكانا لاظهار القوة. وتؤكد شرف الدين انه "في كل مرة يزداد هذا التناحر الطائفي تقل قدرة المرأة على اختراقه، فمع التقوقع تصبح المرأة غير قادرة على الاختراق، اضافة الى انها لا تشعر انها قادرة على الاختراق اذ ان الطوائف تريد ذكورا يتناحرون". وتتابع ان الطائفية، احدى اهم اسباب تخلف النساء عن المشاركة في الحياة السياسية. وغالبا ما نسمع من السياسيين ان ما من مشكلة في مشاركة المرأة في الحياة السياسية ولكن بعضهم سيقول "مش وقتها" اذ هي بنظرهم لا تزال غير مؤهلة للصراع ولقيادة الصراع ومبارزة القوة. وتشير الى انه في الانتخابات الاخيرة اول من اقصي هن النساء مثل غنوة جلول، اضافة تخلي نايلة معوض وصولانج الجميل عن المقعدين النيابيين لمصلحة ولديهما.
وختمت "نحن نتطلع الى نظام نسبي للانتخابات الى جانب "الكوتا"، اذ نحن نحتاج الى نظام انتخابي يحفظ للقوى الاجتماعية مكانتها".

حلو: الانقسامات تتصدر الواجهة
وتبقى حجة الازمات السياسية هي الأبرز دائما في تبرير واقع عدم تفعيل مشاركة المرأة في القرار السياسي، فهل صحيح ان قضية المرأة لا يمكن ان تخرق حدة الازمات؟ في هذا الصدد تشرح الدكتورة مارغريت حلو، استاذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، انه في المعارك الانتخابية الحامية، حيث يسود منطق كسر العظم، لا يمكن المرأة ان تصل "الاّ في حال تبناها اللاعبون الكبار على لوائحهم و"بمصرياتها". ففي الانتخابات النيابية الماضية شهدنا معركة انتخابية قاسية وحاسمة لا تؤسس لمناخ ان المرأة قادرة على مواجهة شراسة المعركة. حتى النساء هن جزء من المشهد الانتخابي السائد الذي كان مشدودا الى القضايا الاساسية والمحورية في البلد، حيث تراجعت القضايا الاخرى الى الخلف وتصدرت الانقسامات الواجهة. فالمرأة التي تؤيد اي خط سياسي لم تنتخب الخط الذي يؤيد قضايا المرأة او الجهة التي رشحت نساء، بل ظلت تنتخب من تراه يمثلها سياسيا وطوائفيا وهذا حقها في الاختيار. ان الخلافات التي يشهدها الوسط السياسي اللبناني هي اعمق من ان تردمها قضية المرأة. وهي الانقسامات التقليدية بين فريقي 8 و14 آذار، او عربي- فارسي او شيعي- سني او من يمثل المسيحيين اكثر”.
وتستنتج حلو انه في ظل الاجواء السائدة لن تتمكن المرأة من المواجهة، وقد تبقى قضيتها في الكواليس لوقت طويل. فمنذ 1943 الى اليوم "ونحن نعاني التدخلات والازمات المصيرية، اضافة الى ان الجمعيات النسائية تفتقر الى استراتيجيات موحدة، وقضية المرأة تشبه الكلام على قضية البيئة. فهل مثلا ممثلو الجمعيات البيئية في لبنان انتخبوا على اساس من ناصر اكثر قضيتهم ام على اساس طائفي؟".
وتختم: "في المستقبل القريب يبقى الحل الامثل في اعتماد "الكوتا"، وان كنت في السابق مناهضة لها، ولكن لا ارى حلا في لبنان اليوم الا عبر اقرارها. فمن الضروري اعادة النظر في استراتيجية التوعية التي كانت تقوم بها الجمعيات النسائية وطرح السؤال: هل استطاعت فعلا ان تطول النساء الفاعلات القادرات على نقل المعرفة والوعي الى اخريات في مجتمعاتهن؟ في حال نظرنا الى نتائج الانتخابات نلاحظ ان لا شيء تغير، وان الاتجاهات نفسها التي لا تزال تتحكم في خيارات المرأة والرجل على حد سواء".

•••
في المحصلة، لقد غابت قضايا المرأة عن البرامج الانتخابية وحتى عن لائحة العمل التشريعي، فلم ينصفها الاصلاح الانتخابي ولم تقر "الكوتا" ولم تحقق منجزات في تعديل القوانين الجائرة بحقها لناحية العقوبات او تجريم العنف الاسري او منح الجنسية. ان الازمة السياسية عطلت كل امكان للنهوض السياسي في البلد وعطلت آليات المطالبة.
وتعلق جومانا مرعي على الكلام الايجابي الذي يقال في الجولات على رؤساء الكتل النيابية والمرجعيات لتوزير النساء بالقول "الحكي ما عليه جمرك والمهم النتيجة".

رلى مخايل